كان الفرزدق واسع الخيال، دقيق الملاحظة، جيد القصص، مما ساعده على أن يكون
من ابرع الوصافين في العهد الأموي، أما موصوفاته فكثيرة، منها ما هو منتزع
من البادية كالذئب، ومنها ما هو من حياة الحضر كالسفينة والجيش.. ويصطبغ
وصف الفرزدق أحيانًا بصبغة القصص الذي يحسن الشاعر سرده، كما يمتاز بالتقرب
من الحيوان المفترس والعطف عليه، ففي وصفه للذئب يظهر استعدادًا لأن يلبس
ذلك الوحش من ثيابه وأن يقاسمه زاده. فلما دنا قلت ادن دونك إنني ****
وإياك في زادي لمشتر كان فبت أسوي الزاد بيني وبينه **** على ضوء نار مرة
ودخان فهذان البيتان من قصيدة يصف فيها ذئبًا أتاه ليلا وهو يشتوي شاة،
فدعاه أن يشاركه الطعام المشوي اللذيذ، فهو وحيد وقد عانى من عقوق الأصدقاء
وبعد الأحباب، فكأن الشاعر استأنس بمجيء الضيف الذئب، او أرجح أن الفرزدق
قد تخيل هذا الضيف. وهو في قلب الصحراء يشعل ناره للطعام ففضل في قصيدته
هذه القصصية أن يكون ضيفه حيوانًا، عسى أن يكون وفيًا أنيسًا مخلصًا أكثر
من الإنسان الغادر.. فوصف الشاعر يتناول المحسوسات أكثر من المعنويات، كما
يمتاز بالدقة وحسن التصوير، فضلا عن طابع شخصي مبتكر أو جده من خلال
قصصه. الهجاء في شعر الفرزدق ]إن ميزة الهجاء عند الفرزدق هي
الفخر أولا، فالشاعر في الهجاء يعتمد على الفخر والاستناد عليه، فبالهجاء
ينقض الشاعر على خصمه فيوسعه شتمًا وذلا فيصوره حقيرًا، كما يصور قومه
وأهله بأنهم يتصفون بأرذل الصفات وأقبح الطباع، فهم مثلا ضعفاء متخاذلون،
بخلاء لا أصل لهم ولا فرع.. وبالمقابل فالشاعر هذا يفخر بقومه وبنفسه، كما
رأينا في هجاء جرير، والذي هو فخر للفرزدق بآن واحد. وقال الفرزدق في
الضيافة: ومستنبح والليل بيني وبينه **** يراعي بعينيه النجوم التواليا سرى
إذ تفشى الليل تحمل صوته**** إلي الصبا قد ظل بالأمس طاويا حلفت لهم إن لم
تجبه كلابنا **** لأستوقدن نارًا تجيب المناديا وقال يهجو" إبليس" وقد تاب
في أواخر حياته:
أطعتك يا إبليس سبعين حجة **** فلما انتهى شيي وتم
تمامي فررت إلى ربي وأيقنت أنني **** ملاق لأيام المنون حمامي لاشك في
أننا نلمس من هذه الأبيات للفرزدق، توبته عن ماضيه البعيد وعن مساوئه
وطيشه، فهنا هو قد بلغ السبعين من عمره، حيث النهاية في الدنيا أصبحت
قريبة، ولا بد من لقاء الموت الذي هو غاية كل إنسان... فهذه الأبيات تدلنا
على أن الشاعر قد صقلته الأيام وهذبته الحياة، فبدا شعره صادقًا عن نفسه
الزاهدة، وتقواه العميقة.. وهكذا رأينا الفرزدق في شعره يلتزم بالديباجة
المعروفة لديه، فشعره الغزلي أحيانا يخلو من هذه الديباجة، فيتجاوز قوانين
النحو والبيان في كثير من الأحيان... ولكن شعر الفرزدق فضلا عن قيمته
الأدبية، ذو قيمة تاريخية كبرى، لأنه يطلعنا على نواح كثيرة من حياته وحياة
خصومه، وعلى أخبار العرب وأيامهم وعاداتهم، وأوضاع الدولة الأموية وتصرف
عمالها وولاتها، وعلى الفتوحات والجيوش وغيرها من مجالس الشاعر أخبر أبو
عبيدة قال: قدم الفرزدق المدينة في إمارة"أبان بن عثمان" قال: فإني
والفرزدق وكثير عزة لجلوس في المسجد نتناشد الأشعار، إذ طلع علينا غلام،
فقصد نحونا فلم يسلم وقال: أيكم الفرزدق؟ فقلت مخافة أن يكون من قريش:
أهكذا تقول لسيد العرب وشاعرها؟ فقال: لو كان كذلك لم أقل هذا له. فقال له:
من أنت؟ قال: رجل من الأنصار ثم من بني النجار، ثم أنا ابن أبي بكر بن
حزم، بلغني أنك نزعم أنك أشعر العرب، وقد قال شاعرنا" حسان بن ثابت" شعرًا
فأردت أن أعرضه عليك، وأؤجلك سنة، فإن قلت مثله فأنت أشعر العرب كما قيل،
وإلا فأنت منتحل كذاب، ثم أنشده: ألم تسال الربع الجديد التكلما..... حتى
بلغ إلى قوله: وأبقى لنا مر الحروب ورزؤها **** سيوفًا وأدراعًا وجمعًا
عرمرما حتى آخر القصيدة، وقال له : قد أجلتك في جوابها حولا، ثم انصرف
وانصرف الفرزدق مغضبًا يسحب رداءه، وما يدري أي طريق يسلك، حتى خرج من
المسجد، فأقبل على " كثير" فقال: قاتل الله الأنصاري ما أفصح لهجته وأوضح
حجته وأجود شعره، قال: فلم نزل في حديث الأنصاري بقية يومنا، ثم توجهت إلى
منزلي، فأخذت أصعد وأصوب في كل فن من الشعر، فأرتج علي، فكأني لم اقل شعرًا
قط!؟ حتى إذا نادى المنادي بالفجر وامتطيت ناقتي أقصد جبل المدينة وبغتة
صحت صيحة مدوية، فجاش صدري كما يجيش المرجل، فما قمت حتى قلت /113/بيتًا من
الشعر. فبينما هو ينشد إذ طلع الأنصاري وسلم علينا وقال له الفرزدق: عزفت
بأعشاش وما كنت تعزف **** وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف ولج بك الهجران حتى
كأنما **** ترى الموت في البيت الذي كنت تألف حتى بلغ إلى القول: ترى الناس
ما سرنا يسيرون خلفنا **** وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا وانشدها
الفرزدق حتى بلغ آخرها. فقام الأنصاري كئيبًا... قال محمد بن إبراهيم:
فأقبلت عليه أكلمه أنا وكثير، فلما أكثرنا عليه. قال: اذهبوا! فقد وهبتكم
لهذا القرشي. ومرة دخل الفرزدق المدينة هاربًا من زياد، وعليها" سعيد بن
العاص" أمير فقال: إليك فررت منك ومن زياد **** ولم أحسب دمي لكما ضلالا
أرقت فلم أنم ليلا طويلا **** أراقب هل أرى النسرين زالا ترى الغر الجحاجح
من قريش**** إذا ما الأمر في الحدثان غالا قيامًا ينظرون إلى سعيد ****
كأنهم يرون به هلالا فلما قال هذا البيت قال الحطيئة لسعيد: هذا والله
الشعر. ثم قال: يا غلام، أدركت من قبلك، وسبقت من بعدك، ولئن طال عمرك
لتبرزن. أسلوب الفرزدق لم يكن للإسلام والقرآن الكريم أثرهما العميق لا في
حياة الفرزدق العملية ولا في شعره، كان في حياته ماجنًا لاهيًا، لاهم له
إلا السعي وراء لذائذه، وكانت طبيعته بدوية خشنة جافية، ولم تكن له نفس
جرير ولا عاطفته ولا رقة حسه، فكأنما خلصت نفسه لأثر البادية وحدها، فكان
أسلوبه في شعره صدى لطبيعته، وانعكاسًا لها، فاستأثرت به الجزالة والقوة
وغرابة الألفاظ، وخشونتها وبداوة الصور، وغلبت هذه الطوابع على شعره عامة
حتى على الغزل الذي تلائمه الرقة والعذوبة. وحسبنا أن نقرأ أبيات الفرزدق
التي أوردناها لنقف على خشونة ألفاظه وجزالة أسلوبه ومتانة شعره وبداوة
صوره... على أن أسلوب الفرزدق اتصف بأنه كان صورة لأساليب الفصحاء من شعراء
الجاهلية في فصاحته وجزالته وغرابة ألفاظه وسعة مفرداته حتى قالوا: لو لا
شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب. ورووا عن أبي عمرو بن العلاء قوله: لم أر
بدويًا أقام في الحضر إلا فسد لسانه غير الفرزدق ورؤبة. ولم تكن سليقة
الفرزدق الشعرية مطواعًا له، سريعة الاستجابة والانقياد كسليقتة جرير، بل
كان يلقى عناء شديدًا في نظم شعره حتى رووا عنه قوله: أنا عند الناس أشعر
الناس، وربما مرت علي ساعة ونزع ضرس أهون علي من أن أقول بيتًا واحدًا.
وكان للفرزدق ميل إلى إطالة النظر في شعره، كما هو الأمر لدى الشاعر زهير
بن أبي سلمى، إلا أن عنايته بشعره لم تحل دون الوقوع في التعقيد والخروج
على قواعد النجاة في كثير من أشعاره، فإذا انتقده أرباب اللغة والنحو
أجابهم: علي أن أقول وعليكم أن تحتجوا. على أنه من الإنصاف القول: إن
الفرزدق لم يكن يعرف بسعة مادته اللغوية فحسب، بل عرف بسعة اطلاعه على أيام
العرب وأخبارهم ووقائعها، حتى قالوا: لولا الفرزدق لضاع نصف أخبار الناس.
وحسبنا أن نقرأ بعض نقائضه لنقف على معرفته الواسعة بأيام العرب ووقائعهم،
حتى يكاد يكون شعره سجلا تاريخيًا لها. والفرزدق لئن فاتته رقة جرير وسلامة
طبعه وعذوبة شعره، فقد بذ صاحبه بخصب مخيلته وقدرته على الابتكار
والتوليد، ويظهر خصب خياله في افتنانه في هجاء جرير وإتيانه بالمعاني
المبتكرة في ذلك، في حين نجد معاني جرير محدودة مكرورة، ولكن سهولة أسلوب
جرير جعلت شعره أكثر سيرورة من شعر الفرزدق المعقد ، وظهر خصب مخيلة
الفرزدق في أمر آخر، هو القصص الغزلي الذي جارى فيه قصص امرىء القيس وعمر
بن أبي ربيعة. القيمة الفنية لشعر الفرزدق الفرزدق شاعر بدوي النزعة، ميال
إلى الفخر والتبجح، ومن ثم كان أسلوبه بدويًا في نحت ألفاظه نحتًا، وكان
شعره وقفًا على الخاصة، وإن لم يخل من الأبيات المأثورة.. وهو يشعر أنه لا
يحن النسيب الرقيق، ولهذا نراه لا يلتزم الديباجة الغزلية في كثير من
قصائده، بل يهجم على موضوعه باندفاع، وهو إلى ذلك يتجاوز قوانين النحو
المشهورة، كما يتجاوز قوانين البيان.. وهذا وقد اتسم الشاعر بنفسية متناقضة
نراها في نزعاته السياسية والمعنوية والأخلاقية، فهو متقلب في عاطفته
وإخلاصه ومتلون في رغباته ومنافعه، لذلك لا نكاد نلمس صدق العاطفة إلا في
مدح آل البيت، أما في سواهم فيعمد الشاعر إلى الغلو والمداهنة ليغطي ضعف
العاطفة.
من ابرع الوصافين في العهد الأموي، أما موصوفاته فكثيرة، منها ما هو منتزع
من البادية كالذئب، ومنها ما هو من حياة الحضر كالسفينة والجيش.. ويصطبغ
وصف الفرزدق أحيانًا بصبغة القصص الذي يحسن الشاعر سرده، كما يمتاز بالتقرب
من الحيوان المفترس والعطف عليه، ففي وصفه للذئب يظهر استعدادًا لأن يلبس
ذلك الوحش من ثيابه وأن يقاسمه زاده. فلما دنا قلت ادن دونك إنني ****
وإياك في زادي لمشتر كان فبت أسوي الزاد بيني وبينه **** على ضوء نار مرة
ودخان فهذان البيتان من قصيدة يصف فيها ذئبًا أتاه ليلا وهو يشتوي شاة،
فدعاه أن يشاركه الطعام المشوي اللذيذ، فهو وحيد وقد عانى من عقوق الأصدقاء
وبعد الأحباب، فكأن الشاعر استأنس بمجيء الضيف الذئب، او أرجح أن الفرزدق
قد تخيل هذا الضيف. وهو في قلب الصحراء يشعل ناره للطعام ففضل في قصيدته
هذه القصصية أن يكون ضيفه حيوانًا، عسى أن يكون وفيًا أنيسًا مخلصًا أكثر
من الإنسان الغادر.. فوصف الشاعر يتناول المحسوسات أكثر من المعنويات، كما
يمتاز بالدقة وحسن التصوير، فضلا عن طابع شخصي مبتكر أو جده من خلال
قصصه. الهجاء في شعر الفرزدق ]إن ميزة الهجاء عند الفرزدق هي
الفخر أولا، فالشاعر في الهجاء يعتمد على الفخر والاستناد عليه، فبالهجاء
ينقض الشاعر على خصمه فيوسعه شتمًا وذلا فيصوره حقيرًا، كما يصور قومه
وأهله بأنهم يتصفون بأرذل الصفات وأقبح الطباع، فهم مثلا ضعفاء متخاذلون،
بخلاء لا أصل لهم ولا فرع.. وبالمقابل فالشاعر هذا يفخر بقومه وبنفسه، كما
رأينا في هجاء جرير، والذي هو فخر للفرزدق بآن واحد. وقال الفرزدق في
الضيافة: ومستنبح والليل بيني وبينه **** يراعي بعينيه النجوم التواليا سرى
إذ تفشى الليل تحمل صوته**** إلي الصبا قد ظل بالأمس طاويا حلفت لهم إن لم
تجبه كلابنا **** لأستوقدن نارًا تجيب المناديا وقال يهجو" إبليس" وقد تاب
في أواخر حياته:
أطعتك يا إبليس سبعين حجة **** فلما انتهى شيي وتم
تمامي فررت إلى ربي وأيقنت أنني **** ملاق لأيام المنون حمامي لاشك في
أننا نلمس من هذه الأبيات للفرزدق، توبته عن ماضيه البعيد وعن مساوئه
وطيشه، فهنا هو قد بلغ السبعين من عمره، حيث النهاية في الدنيا أصبحت
قريبة، ولا بد من لقاء الموت الذي هو غاية كل إنسان... فهذه الأبيات تدلنا
على أن الشاعر قد صقلته الأيام وهذبته الحياة، فبدا شعره صادقًا عن نفسه
الزاهدة، وتقواه العميقة.. وهكذا رأينا الفرزدق في شعره يلتزم بالديباجة
المعروفة لديه، فشعره الغزلي أحيانا يخلو من هذه الديباجة، فيتجاوز قوانين
النحو والبيان في كثير من الأحيان... ولكن شعر الفرزدق فضلا عن قيمته
الأدبية، ذو قيمة تاريخية كبرى، لأنه يطلعنا على نواح كثيرة من حياته وحياة
خصومه، وعلى أخبار العرب وأيامهم وعاداتهم، وأوضاع الدولة الأموية وتصرف
عمالها وولاتها، وعلى الفتوحات والجيوش وغيرها من مجالس الشاعر أخبر أبو
عبيدة قال: قدم الفرزدق المدينة في إمارة"أبان بن عثمان" قال: فإني
والفرزدق وكثير عزة لجلوس في المسجد نتناشد الأشعار، إذ طلع علينا غلام،
فقصد نحونا فلم يسلم وقال: أيكم الفرزدق؟ فقلت مخافة أن يكون من قريش:
أهكذا تقول لسيد العرب وشاعرها؟ فقال: لو كان كذلك لم أقل هذا له. فقال له:
من أنت؟ قال: رجل من الأنصار ثم من بني النجار، ثم أنا ابن أبي بكر بن
حزم، بلغني أنك نزعم أنك أشعر العرب، وقد قال شاعرنا" حسان بن ثابت" شعرًا
فأردت أن أعرضه عليك، وأؤجلك سنة، فإن قلت مثله فأنت أشعر العرب كما قيل،
وإلا فأنت منتحل كذاب، ثم أنشده: ألم تسال الربع الجديد التكلما..... حتى
بلغ إلى قوله: وأبقى لنا مر الحروب ورزؤها **** سيوفًا وأدراعًا وجمعًا
عرمرما حتى آخر القصيدة، وقال له : قد أجلتك في جوابها حولا، ثم انصرف
وانصرف الفرزدق مغضبًا يسحب رداءه، وما يدري أي طريق يسلك، حتى خرج من
المسجد، فأقبل على " كثير" فقال: قاتل الله الأنصاري ما أفصح لهجته وأوضح
حجته وأجود شعره، قال: فلم نزل في حديث الأنصاري بقية يومنا، ثم توجهت إلى
منزلي، فأخذت أصعد وأصوب في كل فن من الشعر، فأرتج علي، فكأني لم اقل شعرًا
قط!؟ حتى إذا نادى المنادي بالفجر وامتطيت ناقتي أقصد جبل المدينة وبغتة
صحت صيحة مدوية، فجاش صدري كما يجيش المرجل، فما قمت حتى قلت /113/بيتًا من
الشعر. فبينما هو ينشد إذ طلع الأنصاري وسلم علينا وقال له الفرزدق: عزفت
بأعشاش وما كنت تعزف **** وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف ولج بك الهجران حتى
كأنما **** ترى الموت في البيت الذي كنت تألف حتى بلغ إلى القول: ترى الناس
ما سرنا يسيرون خلفنا **** وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا وانشدها
الفرزدق حتى بلغ آخرها. فقام الأنصاري كئيبًا... قال محمد بن إبراهيم:
فأقبلت عليه أكلمه أنا وكثير، فلما أكثرنا عليه. قال: اذهبوا! فقد وهبتكم
لهذا القرشي. ومرة دخل الفرزدق المدينة هاربًا من زياد، وعليها" سعيد بن
العاص" أمير فقال: إليك فررت منك ومن زياد **** ولم أحسب دمي لكما ضلالا
أرقت فلم أنم ليلا طويلا **** أراقب هل أرى النسرين زالا ترى الغر الجحاجح
من قريش**** إذا ما الأمر في الحدثان غالا قيامًا ينظرون إلى سعيد ****
كأنهم يرون به هلالا فلما قال هذا البيت قال الحطيئة لسعيد: هذا والله
الشعر. ثم قال: يا غلام، أدركت من قبلك، وسبقت من بعدك، ولئن طال عمرك
لتبرزن. أسلوب الفرزدق لم يكن للإسلام والقرآن الكريم أثرهما العميق لا في
حياة الفرزدق العملية ولا في شعره، كان في حياته ماجنًا لاهيًا، لاهم له
إلا السعي وراء لذائذه، وكانت طبيعته بدوية خشنة جافية، ولم تكن له نفس
جرير ولا عاطفته ولا رقة حسه، فكأنما خلصت نفسه لأثر البادية وحدها، فكان
أسلوبه في شعره صدى لطبيعته، وانعكاسًا لها، فاستأثرت به الجزالة والقوة
وغرابة الألفاظ، وخشونتها وبداوة الصور، وغلبت هذه الطوابع على شعره عامة
حتى على الغزل الذي تلائمه الرقة والعذوبة. وحسبنا أن نقرأ أبيات الفرزدق
التي أوردناها لنقف على خشونة ألفاظه وجزالة أسلوبه ومتانة شعره وبداوة
صوره... على أن أسلوب الفرزدق اتصف بأنه كان صورة لأساليب الفصحاء من شعراء
الجاهلية في فصاحته وجزالته وغرابة ألفاظه وسعة مفرداته حتى قالوا: لو لا
شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب. ورووا عن أبي عمرو بن العلاء قوله: لم أر
بدويًا أقام في الحضر إلا فسد لسانه غير الفرزدق ورؤبة. ولم تكن سليقة
الفرزدق الشعرية مطواعًا له، سريعة الاستجابة والانقياد كسليقتة جرير، بل
كان يلقى عناء شديدًا في نظم شعره حتى رووا عنه قوله: أنا عند الناس أشعر
الناس، وربما مرت علي ساعة ونزع ضرس أهون علي من أن أقول بيتًا واحدًا.
وكان للفرزدق ميل إلى إطالة النظر في شعره، كما هو الأمر لدى الشاعر زهير
بن أبي سلمى، إلا أن عنايته بشعره لم تحل دون الوقوع في التعقيد والخروج
على قواعد النجاة في كثير من أشعاره، فإذا انتقده أرباب اللغة والنحو
أجابهم: علي أن أقول وعليكم أن تحتجوا. على أنه من الإنصاف القول: إن
الفرزدق لم يكن يعرف بسعة مادته اللغوية فحسب، بل عرف بسعة اطلاعه على أيام
العرب وأخبارهم ووقائعها، حتى قالوا: لولا الفرزدق لضاع نصف أخبار الناس.
وحسبنا أن نقرأ بعض نقائضه لنقف على معرفته الواسعة بأيام العرب ووقائعهم،
حتى يكاد يكون شعره سجلا تاريخيًا لها. والفرزدق لئن فاتته رقة جرير وسلامة
طبعه وعذوبة شعره، فقد بذ صاحبه بخصب مخيلته وقدرته على الابتكار
والتوليد، ويظهر خصب خياله في افتنانه في هجاء جرير وإتيانه بالمعاني
المبتكرة في ذلك، في حين نجد معاني جرير محدودة مكرورة، ولكن سهولة أسلوب
جرير جعلت شعره أكثر سيرورة من شعر الفرزدق المعقد ، وظهر خصب مخيلة
الفرزدق في أمر آخر، هو القصص الغزلي الذي جارى فيه قصص امرىء القيس وعمر
بن أبي ربيعة. القيمة الفنية لشعر الفرزدق الفرزدق شاعر بدوي النزعة، ميال
إلى الفخر والتبجح، ومن ثم كان أسلوبه بدويًا في نحت ألفاظه نحتًا، وكان
شعره وقفًا على الخاصة، وإن لم يخل من الأبيات المأثورة.. وهو يشعر أنه لا
يحن النسيب الرقيق، ولهذا نراه لا يلتزم الديباجة الغزلية في كثير من
قصائده، بل يهجم على موضوعه باندفاع، وهو إلى ذلك يتجاوز قوانين النحو
المشهورة، كما يتجاوز قوانين البيان.. وهذا وقد اتسم الشاعر بنفسية متناقضة
نراها في نزعاته السياسية والمعنوية والأخلاقية، فهو متقلب في عاطفته
وإخلاصه ومتلون في رغباته ومنافعه، لذلك لا نكاد نلمس صدق العاطفة إلا في
مدح آل البيت، أما في سواهم فيعمد الشاعر إلى الغلو والمداهنة ليغطي ضعف
العاطفة.
الإثنين سبتمبر 20, 2021 3:48 pm من طرف هديل الحمام
» عدرا يا فلسطين????????
الإثنين يوليو 26, 2021 9:28 pm من طرف هديل الحمام
» كورونا - الشاعر : عطا سليمان رموني
الأربعاء يونيو 09, 2021 9:08 pm من طرف اسطورة المنتدى
» رحل ولن يعود
السبت فبراير 20, 2021 7:05 pm من طرف هديل الحمام
» كوفيتي عنواني
السبت فبراير 20, 2021 7:00 pm من طرف هديل الحمام
» كل يوم نصيحه ومعلومه
السبت فبراير 20, 2021 6:49 pm من طرف هديل الحمام
» اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا - الشاعر : عطا سليمان رموني
الثلاثاء فبراير 02, 2021 6:35 pm من طرف اسطورة المنتدى
» هنيال من عطا له أخ - الشاعر : عطا سليمان رموني
السبت يونيو 20, 2020 3:14 pm من طرف اسطورة المنتدى
» الأخذ بالأسباب - الشاعر : عطا سليمان رموني
الأحد مارس 15, 2020 10:50 am من طرف عطا سليمان رموني
» بعد غياب طويل عدت لكم من جديد هديل الحمام
الثلاثاء مارس 03, 2020 6:04 pm من طرف عازفة المشاعر
» رعاية ذوي الاعاقة - الشاعر : عطا سليمان رموني
الثلاثاء فبراير 18, 2020 11:44 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني
» صفقة القرن اللعينة - الشاعر : عطا سليمان رموني
الجمعة يناير 31, 2020 9:11 pm من طرف الشاعر عطا سليمان رموني
» شافي انت الشافي - الشاعر : عطا سليمان رموني
الإثنين ديسمبر 30, 2019 6:20 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني
» اصحب للجماعة - الشاعر عطا سليمان رموني
الأحد ديسمبر 15, 2019 7:17 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني
» يا ارضا عشقنا تربها الغالي
الخميس أكتوبر 10, 2019 8:25 am من طرف driss78