كانت
ولا زالت فلسطين مهد للديانات والحضارات ، عاش على ارضها ابناء تلك الديانات بود
ومحبة وسلام ، لم يعرفوا الكره ولا الحقد ولا العداوة ، تقاسموا الدمعة والضحكة
وتشاركوا حتى في الاعياد والمناسبات .
ليلة
البارحة في اتصال لي مع احد الاصدقاء المسلمين من مدينة الناصرة فاجئني بأنه
وعائلته يجهزون البربارة ، وهي حلوى فلسطينية مشهورة في مدينة الناصرة والشمال اخذت
عن اخوتنا المسحيين في عيد البربارة والذي يصادف اليوم السابع عشر من كانون الاول
.
الاكلة وكما اتضح لي لم تقتصر على
الناصرة وضواحيها بل عرفتها معظم المدن الفلسطينية باختلاف بسيط في طريقة التحضير
والمكونات وفي التسمية ايضاً .
بربارة غزة كانت تتكون من
:
قمح
مقشر ، سكر للتحلية ، زبيب بدون نوى ذو حب صغير ، لوز مقشر ،نشاء " كورنفلور"
ومكسرات للتجميل .
اما
طريقة التحضير فكانت تتم بسلق القمح واضافة كل من اللوز و-----يب ليغلى الجميع ، ثم
يضاف النشاء المذوب ليغلي من جديد ، وتسكب بعد ذلك في طبق وتقدم باردا بعد ان تزين
بالمكسرات والقرفة والحلوة وقد يضاف اليها ماء الزهر قبل سكيها في الطبق
.
هذا
في غزة اما في القدس وبيت لحم فقد يضاف الى القمح و-----يب القمر دين والجوز المدقوق
والشومر المطحون وحب اليانسون وعيدان القرفة وحب الجاص والمشمش
المجفف.
البربارة
عرفت ايضاً باسم المسلوقية أو السنُونِية مع
اختلف بسيط في مكوناتها وطريقة تحضيرها ، وقد كانت تصنع خصيصاُ للاطفال الذين بدأت
اسنانهم بالظهور ، فيحتفل ذوويهم بهذة المناسبة السعيدة ويصنعون لهم السنونية نسبة
إلى الاسنان التي ظهرت بعد مرحلة الرضاعة ، ومن الاغاني التي عرفت بهذة المناسبة
:
يا جارة طِلِع سِنو
خبّي خبزاتك
عنُّو
دادي يا قرين الفول
دادي حمّص مبلول
دادي يالله يا الله
دادي ياما شاء الله
عيد البربارة
:
من
الأعياد التي يحتفل بها المسيحيون في شتى أنحاء العالم، وذكرتها المصادر المختلفة،
بما فيها المصادر العربية القديمة، عيد القديسة بربارة، أو عيد الشهيدة بربارة، أو
عيد البربارة، الذي يحتفل به الغربيون يوم الرابع من كانون الأول، والشرقيون في
السابع عشر منه وفي هذا العيد يضع الاولاد اقنعة على وجوههم ويجولون في الازقة
والحارات بالرقص والغناء .
عيد البربارة في
الامثال الشعبية :
ارتبط
عيد البربارة بموسم الامطار والبرد كونه يأتي في شهر كانون اول المعروف باجوائه
الباردة وكثرة امطاره ومن الامثال التي قالها اجدادنا عن عيد البربارة :
"في
عيد البربارة بتطلع الميّ من قدوح الفارة" لغزارة المطر في هذا الوقت من
العام!
"إذا
جاء عيد البربارة فليتخذ البنّاء زمّاره" أي فليلتزم بيته ولا يبرحه
"في
عيد البربارة الليل بوُخُذ من النهار غبارة " اي يطول الليل ويقصر النهار كونه يأتي
بمنتصف كانون اول ويقال ايضاً
" في
عيد البربارة بيوخذ النهار من الليل اخباره " وهنا يقصدون اخبار السيدة بربارة التي
سيأتي على ذكرها لاحقاً
" في
عيد البربارة بيزيد النهر نطة فارة " كناية عن قصر النهار
" إن
طلعت البربارة القمح يا بداره وحطوا الشعير بالغرارة"
"إن طلعت البربارة حط الشعير في
المطماره والقمح يا بداره "
"
يوم تظاوي البربارة رد الشعير في غراره والقمح يا بداره "
من هي القديسة بربارة
التي يحتفلون بذكراها ويزداد المطر في عيدها؟
تختلف
المصادر في تحديد هويتها، فمن قائل أنها ولدت في نيقوديميا (في آسيا الصغرى) الى
قائل انها ولدت في لبنان، في مدينة بعلبك، عروس البقاع الخالدة، الى قائل انها ولدت
في فلسطين، وحتى في مصر... وتجمع المصادر المختلفة على أن أباها ديوسيكوروس (ومثله
أمّها ايضاً) كان وثنياً، متعصباً لوثنيته، غنياً، ويعمل في خدمة الوالي كقائد
لجيشه! ولا يختلف مصدران في موضوع التربية المميزة والخاصّة ودراسة العلوم والآداب
والفنون التي وفّرها لها أبوها الثريّ، الذي حرص عليها كل الحرص، ويرى البعض ان
أباها وضعها في برج حصين، لأنها كانت رائعة الجمال، وأقام من حولها الأصنام لتظلّ
متعبّدة للآلهة ليل نهار! ويقال انها راحت تتأمّل في هذا الكون وتبحث عن مبدعه، فلم
ترَ في الأصنام سوى حجارة صمّاً بكماً لا يرجى منها خير، فأتاح لها الله أن اتصلت
بالمعلّم فالنتيانوس، الذي أخذ يشرح لها أسرار الديانة المسيحية وتعاليم الإنجيل
السامية. فأذعنت بربارة لهذا المرشد الحكيم، وآمنت بالمسيح وقبلت سرّ العماد
المقدّس، ونذرت نفسها للعبادة. أو أنها بينما كانت في البرج تتلمذت على أيدي فلاسفة
وخطباء وشعراء، وتعلمت منهم كيف تفكر، فأدركت ان الشرك وتعدد الآلهة لهو سفه رخيص
لا معنى له، وتمكنت بمساعدة بعض الفلاسفة من اعتناق المسيحية. وكانت مثابرة على
الصلاة والتأمّل وقراءة الكتب المقدّسة، وأمرت خدامها، وبينهم مسيحيون، بتحطيم ما
حولها من الأصنام.
وكانت
بربارة رقيقة جداً، مرهفة الحس وتسأل دائماً كيف ان هذه الاصنام تدعى الهة... كيف
تحكم هذه الاصنام الكون... اين خالق الكون؟ ورتبت العناية الالهية ان تكون في القصر
خادمة مسيحية قصت على بربارة قصة ادم وحواء وسقوطهما، واحتياج العالم لمخلص وقصة
الصلب والعذراء واعمال الرسل والاسرار المقدسة وارشدت بربارة لعالم مسيحي يدعي
اوريجانوس ليرد علي كل تساؤلاتها. فأرسلت اليه بربارة وكشف عن كل افكاره لها.. ثم
ارشدها وارسل لها رسالة قيمة بها تعاليم عن العقيدة المسيحية وسلمها لها تلميذه
فالتيانوس الذي عرفها الاسرار وعمدها وناولها وعندئذ نذرت نفسها للمسيحية... كل ذلك
دون ان يعرف والدها شيئاً عن اعتناقها المسيحية وعن نذرها. ودخل ديوسيكورس يوماً
على بربارة، ففوجيء بتغير كبير جداً من حيث زهدها في الملابس وطريقة كلامها ففاتحها
في موضوع زواجها فاجابت بكل ادب ووداعة:"انت وحيد في هذه الدنيا يا ابي ولا اريد ان
اتركك واتزوج بل سأكون في خدمتك كل حياتي ولا سيما وانت الان قد شخت ومحتاج الي"،
فحسن الكلام في عينيه وتركها... ولكن بعد ذلك بقليل لاحظ الصلبان على الاعمدة ولاحظ
شدة النسك والزهد فسألها عن حالها فصارحته بانها مسيحية. فغضب ابوها لاعتناقها
المسيحية، بل استشاط غضباً، وشتمها وضربها وطرحها في قبو مظلم، عقاباً لها
على"جريمتها النكراء"، فقامت تصلّي الى الله ليقويها على الثبات في ايمانها. ويقال
ان اباها ديوسيكوروس الغاشم وضعها في البرج سجناً لها عندما اكتشف انها اعتنقت
المسيحية وتركت الاوثان، فعاقبها بالسجن على عقوقها وعصيانها تعليماته، وكان البرج
عالياً وحصيناً ليحول دون هربها. وافلحت بربارة في الهرب من سجن ابيها، حسب احدى
الروايات، بعد ان جاهرت بايمانها، الا ان جنود ابيها لاحقوها والقوا القبض عليها
مجدّداً.
ذهب
ابوها ديوسيكورس الى الوالي مركيانوس في حزن واسف شديد واخبره بـ"الكارثة الكبيرة
جداً" التي حلت بسبب ان بربارة وحيدته تتبع المسيح وتكفر بالهتهم(الاصنام)، فامر
الوالي باحضارها واخذ يلاطفها، باديء ذي بدء، ووعدها انها ستكون اميرة كبيرة ان هي
تركت المسيحية وعادت الى دين ابائها واجدادها، فلم تجد وعوده نفعاً، فهدّدها
بالعذاب والثبور وعظائم الامور ان لم ترتدع وتترك المسيحية، فقالت بربارة"ان جسدي
سيأتي يوم ويموت، اما روحي فخالدة وستذهب الى السماء"فقال لها "اتركي السماء لانه
بسببها سيحل عليك عذاب عظيم!" فقالت"لن تبعدني عن محبة المسيح شدة ولا ضيق ام
اضطهاد"، فامر الوالي مركيانوس بعذاب القديسة ووضعها في سجن مظلم. واقتادوها غداة
سجنها، وابوها في المقدمة، مكبّلة بالسلاسل، الى الوالي مركيانوس، فاستشاط الوالي
غضباً من ثباتها في الايمان بالمسيح، وامر بجلدها باعصاب البقر، فتمزق جسدها وتفجرت
دماؤها، وهي صابرة صامتة، وطرحوها في السجن، ثانية، فظهر لها السيد المسيح وشفاها
من جراحها.
وفي
الصباح التالي رآها الحاكم صحيحة الجسم مشرقة الوجه، فابتدرها قائلاً: ان
الالهة(الوثنية) اشفقت عليها وضمّدت جراحها! فاجابت:"ان الذي شفاني هو يسوع المسيح
رب الحياة والموت"، وصرخت بصوت عظيم: ليست الهتك التي شفتني، فهي اصنام لا تتحرك!
انما الذي شفاني هو الهي ومخلصي يسوع المسيح الذي انا اعبده ومستعدة ان اموت من
اجله لانه هو مات ليحييني... فانا لا اهاب عذابك ولا اهاب اسلحة جنودك ولن يتغير
ايماني"... اغتاظ الوالي جداً وطلبوا منها نكران المسيح فرفضت، فتميز الحاكم غيظاً
وامر بجلدها ثانية حتى تناثر لحمها وامر بتعذيبها اشد العذاب وامر بحرقها بالنار
وقطع ثدييها، ثم امر بقطع رأسها، فقاموا بذلك في العام .235 ويروى انه شاهدت عذاب
القديسة بربارة وما حلّ بها وكيف شفاها السيد المسيح من جراحها، شابة غير مسيحية
تدعى يوليانة فتأثرت جداً وبكت بكاء شديداً، وصرخت في وجه الوالي قائلة: انا مسيحية
انا مسيحية... كالمعتاد اخذ يلاطفها ثم امر بعذابها ايضاً.
ولما
امر الوالي مركيانوس بقطع رأس القديسة بربارة ويوليانة فاجأ الجميع ديوسيكوروس
يستأذن الوالي بكل قسوة وكبرياء بان يقوم هو بنفسه بذلك، وبسيفه هو قطع الوالد رأس
ابنته الذي وضعته امامه، فقطعه بسيف وثنيّ لا يرحم، واستشهدت بربارة ويوليانة
معها... وعوقب ديوسيكوروس على فعلته الشنيعة وقتله ابنته بسبب اعتناقها المسيحية،
فصعقته صاعقة وقتلته، وحسب روايات اخرى احرقه برق اصابه من السماء، او نار هبطت من
عل لتقضي عليه حرقاً!
المصادر
:
معجم
الاطعمة الفلسطينية
معجم
الاعياد والمواسم والمناسبات الفلسطينية
معجم
الامثال الفلسطينية
موقع
السلام من مجموعة السلام للاعلام
الصور
مهداة من صديق لمدونة التراث من مدينة الناصرة
لكم محبتي وكل عام
واخوتنا المسيحين بخير
الإثنين سبتمبر 20, 2021 3:48 pm من طرف هديل الحمام
» عدرا يا فلسطين????????
الإثنين يوليو 26, 2021 9:28 pm من طرف هديل الحمام
» كورونا - الشاعر : عطا سليمان رموني
الأربعاء يونيو 09, 2021 9:08 pm من طرف اسطورة المنتدى
» رحل ولن يعود
السبت فبراير 20, 2021 7:05 pm من طرف هديل الحمام
» كوفيتي عنواني
السبت فبراير 20, 2021 7:00 pm من طرف هديل الحمام
» كل يوم نصيحه ومعلومه
السبت فبراير 20, 2021 6:49 pm من طرف هديل الحمام
» اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا - الشاعر : عطا سليمان رموني
الثلاثاء فبراير 02, 2021 6:35 pm من طرف اسطورة المنتدى
» هنيال من عطا له أخ - الشاعر : عطا سليمان رموني
السبت يونيو 20, 2020 3:14 pm من طرف اسطورة المنتدى
» الأخذ بالأسباب - الشاعر : عطا سليمان رموني
الأحد مارس 15, 2020 10:50 am من طرف عطا سليمان رموني
» بعد غياب طويل عدت لكم من جديد هديل الحمام
الثلاثاء مارس 03, 2020 6:04 pm من طرف عازفة المشاعر
» رعاية ذوي الاعاقة - الشاعر : عطا سليمان رموني
الثلاثاء فبراير 18, 2020 11:44 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني
» صفقة القرن اللعينة - الشاعر : عطا سليمان رموني
الجمعة يناير 31, 2020 9:11 pm من طرف الشاعر عطا سليمان رموني
» شافي انت الشافي - الشاعر : عطا سليمان رموني
الإثنين ديسمبر 30, 2019 6:20 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني
» اصحب للجماعة - الشاعر عطا سليمان رموني
الأحد ديسمبر 15, 2019 7:17 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني
» يا ارضا عشقنا تربها الغالي
الخميس أكتوبر 10, 2019 8:25 am من طرف driss78