أصفهان.. نصف الدنيا
في إطار المهام المنوطة بالمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ إيسيسكو ـ للتعريف بعواصم الثقافة الإسلامية، ومدينة أصفهان بالجمهورية الإسلامية الإيرانية. وتهدف المنظمة الإسلامية من وراء ذلك إلى التعريف بأهم المعالم التاريخية والحضارية والثقافية لهذه العواصم، وإبراز ما قدمته هذه المدن عبر العصور ومازالت تقدمه، بفضل علمائها ومثقفيها ومبدعيها، ومن خلال مؤسساتها التربوية والعلمية والثقافية من عطاءات ثرية ومتنوعة في مختلف مجالات العلوم والآداب والفنون، مساهمة من المنظمة الإسلامية في إحياء ذاكرة هذه المدن وتجديد وعي الأجيال الصاعدة بأهمية الوقوف على كنوز التراث الحضاري الإسلامي. وسوف نختار اصفهان لنلقى الضوء عليها:
أصفهان
الموقع:
أصفهان أو أصبهان مدينة إيرانية، بين طهران و شيراز، في الجنوب الشرقي من المقاطعة المركزية في وسط إيران تقريبا. وتحتضن هذه المدينة الساحرة بجمالها وخضرتها السياح على مدار العام لطبيعتها الخلابة على طول مساحتها الشاسعة. وبالعودة لتاريخ هذه المدينة التاريخية نجد أنها ظلت عاصمة لإيران لفترة طويلة إبان حكم الصفويين، فقد حازت المدينة أهمية وصارت من المدن الكبرى في عهد الشاه عباس الكبير الذي اتخذها عاصمة له. وقد عرفت هذه المدينة منذ القديم بهذا الوصف “أصفهان نصف الدنيا”. ويقدر تعداد سكانها اليوم بنحو مليون نسمة. وأصفهان من بين المدن الإيرانية التي تعد الأكثر ثراء في التاريخ والعمارة.
ووصفت منظمة اليونسكو أصفهان التي تعد أحد المحاور السياحية الرئيسة في إيران بأنها (تراث البشرية). ولا غرو فأصفهان التي يقصدها الكثير من السياح الأوروبيين تضم أراضيها العديد من القصور العملاقة التي تحكي تراث وآثار وتاريخ الماضي العريق، مثل: قصر علي قابو الذى يقع غرب ميدان نقشي جاهان ويعود هذا المبنى إلى العصر الصفوي، كان الغرض من بنائه استقبال السفراء والرسل من الدول الأجنبية، ويتكون القصر من ستة طوابق تحوي العديد من الشرف، وتعد الزخارف الجصية واللوحات الموجودة في هذا القصر من الأشياء التي تبعث على الدهشة. ويجد الزائر لقصر علي قابو الكثير من الزخارف والنقوش والرسوم المنحوتة على الجدران والسقوف.
قصر هاشت بهيشت الذى يقع بالقرب من طريق شهار باغ في مقابل طريق شيخ باهاي الحالي، وقد تم تشييده في القرن السادس عشر إبان حكم الشاه سليمان الثاني وتعد الأسقف المحلاة بالرسوم والمشغولات واللوحات الحائطية من الأشياء التي تجعل هذا القصر جديرا بالزيارة.
القصر الملكي الذى يقع في الجنوب الشرقي من الميدان الواقع في وسط أصفهان والذي كان يطلق عليه من قبل “ميداني شاه” ويعني الاسم البوابة الكبيرة، وقد كان الغرض من مدخله الباهر أن يكون رمزا يعكس سلطان ملوك الصفويين الذين حكموا البلاد كما تبين ذلك اللافتات المعلقة بالشرفة، وقد ظل هذا الإبهار موجودا حتى الوقت الحاضر. وقد تغير اسم الميدان إلى “ميداني إمام”. وتمثل الشرفة مكانا نموذجيا يمكن من خلاله مشاهدة مسابقات رياضة البولو التي كانت تقام في الميدان. وكانت تلك الشرفة محلاة بأشكال الطلاء على الجص الخارجي في الجزء الخلفي منها والزخارف الشجرية المتطاولة في السقف. أما الأعمدة كتلك القائمة في “شيهل سوتون” فقد كانت مغلفة بالمرايا الزجاجية بحيث تعطي منظر سقف طاف في الهواء، وقد اتخذت الأعمدة من نفس نوع الأشجار الذي اتخذت منه أعمدة “شيهل سوتون”. ولم تحظ الطوابق السفلية بنفس ذلك القدر من الروعة والبهاء بل قد اتخذت إيواء للحرس.
قصر الأربعين عموداً يعود تاريخه إلى عهد الملك الصفوي السابع شاه عباس الثاني وقد بني عام 1057هجري حسب الدراسات التاريخية لعلماء الآثار، وتتألف أعمدة هذا القصر من جذوع إحدى الأشجار التي طليت بطبقة رقيقة من الألواح المصبوغة، في حين زينت كل جدران القصر بالمرايا والزجاج الملون والرسوم المختلفة. ويعد هذا القصر من أجمل القصور التي بنيت في مدينة أصفهان في العصر الصفوي. وقد أخذ القصر اسمه من الأعمدة المنتشرة في الشرفة، فمنها عشرون قد صفت في ثلاث صفوف كل منها يتألف من ستة أعمدة بالإضافة إلى عمودين آخرين على جانبي المدخل، وعندما كانت تنعكس هذه الأعمدة على سطح مياه البركة يصبح عددها وكأنها أربعون عمودا.
كما يوجد في هذه المدينة الكثير من الحدائق الساحرة بروعتها وجمال تصميمها منذ عشرات السنين لدرجة أن بعضاً من هذه الحدائق يعود عمرها ل(350) سنة مثل حديقة قاعة استقبال قصر “الأربعين عمودا”، كما تزين أصفهان مزارع الفواكه والخضار المختلفة حيث خصوبة الأراضي وصلاحيتها للزراعة.
كما تكثر بأصفهان المصانع خصوصاً مصانع المياه، وفيها كذلك عدد من الجسور التي تقطعها الأنهار ومنها جسر (وردي خان) وجسر (خاجو) اللذان تتوزع بجوارهما الجلسات للاستمتاع بمناظر المدينة الخلابة. وجسر شهرستان: الذي تم بناؤه في القرن الرابع عشر من الميلاد في شرق مدينة أصفهان، وجسر سي أو سيه بول الذى يتكون من ثلاثة وثلاثين قوسا وقد أصدر الشاه عباس الأول تكليفا ببنائه لأحد قواده عام 1010هـ / 1602 م. واسم “سي أو سيه بول” مشتق من العبارة الفارسية “سي أو سيه” التي تعني ثلاثة وثلاثين.
كما تكثر بها المساجد الشهيرة ذات الزخرفات والنقوش الباهرة مثل:المسجد الجامع في أصفهان،أنشأ الفاتحون المسلمون المسجد الجامع في مدينة أصفهان عام 23هـ / 644 م، عندما دخلوا البلاد، الذي كان أول أمره مسجدا صغيرا، ثم هدم وبني مرارا حتى جاء السلاجقة فأعادوا بناءه على الصورة التي بقي عليها إلى اليوم. ولم يبق من المسجد الجامع في أصفهان إلا جدرانه، والمسجد مبني من الحجر والآجر، وينقسم بيت الصلاة إلى أربعة أواوين.
مسجد الشاه عباس: يعد من الآثار الإسلامية الرائعة بمدينة أصفهان، ويعد هذا المسجد من أفخم المساجد التي بنيت في العصر الصفوي، ويمثل هذا المسجد التكامل الفني المعماري الإسلامي، فجدرانه الداخلية والخارجية مكسوة بأجمل ألواح القاشاني الملون ذي الرسوم الزخرفية البديعة، وعلى جانبي المدخل منارتان رشيقتان بارتفاع ثلاثة وثلاثين مترا تقريبا على حين ارتفاع عقد المدخل بلونه الأزرق اللازوردي وزخارفه التي تبلغ حوالي سبعة وعشرين مترا. وتقوم قبته الزرقاء على قاعدة دائرية تكثر فيها النقوش والكتابات، ويقوم بيت الصلاة في المسجد على نظام الإيوانات لا الأروقة، وجهة بيت الصلاة مكسوة ببلاطات القاشاني.
جامع شاه سلطان حسين المعروف باسم “نادر شاه” : يعد هذا الجامع من أجمل ما بناه المعماريون الإيرانيون عام 1008هـ / 1600م، ويشتمل هذا الجامع على بيت الصلاة الذي يعلوه قبة ضخمة تعد من أجمل قباب المسجد، وتحيط بالصحن المستطيل إيوانات ذات طبقتين، وتتصل بالإيوانات الجانبية أفنية صغيرة مربعة ومستطيلة في جوانبها غرف للسكن وخلوات للعبادة.
وهناك مسجد بارسيان وكذلك مسجد داشتي ومسجد جوميه (مسجد الجمعة) الذى وضع أساسه إبان حكم السلاجقة، ويشتمل المسجد على أماكن للصلاة وأخري للتدريس، ويوجد به العديد من الأمثلة الرائعة للفسيفساء الخزفية التي تتضمن نوعين من النقوش البارعة على القنطرة التي تعلو المدخل المؤدي إلى بيت الصلاة. ويعبر مسجد الجمعة تعبيراً دقيقاً عن أربعمائة عام من العمارة الفارسية التي تظهر جليا في المساحة الصغيرة التي يشغلها هذا المسجد، ولذلك فهو يجمع العديد من الموضوعات الزخرفية التي أفردت في العديد من الآثار الأخرى في أنحاء المدينة.
وكذلك مسجد إمام الذى شيد خلال حكم الشاه عباس، ويعد الفن المعماري المستخدم في هذا المسجد آية في الروعة والجمال. وترتفع مآذن المسجد نحو 48م.
وتتميز أصفهان بشوارعها الفسيحة وميادينها الكبيرة، كما تشتهر المدينة التي خرجت كثيراً من المهندسين والمثقفين، بصناعة السجاد الإيراني الشهير الذي تحرص العائلة الإيرانية على الاحتفاظ به بل يعتبرونه كالذهب.
ويحرص الزائر لأصفهان على ألا تفوته فرصة التجول بسوق (البازار) الذي يحوي الكثير من الآثار القديمة وتعرض فيه الكثير من البضائع اليدوية والصناعات التي تشتهر بها أصفهان.
المكانة العلمية لمدينة أصفهان:
قامت مدينة أصفهان بدور مهم في تاريخ الفكر العربي الإسلامي منذ أن فتحت في عهد عمر بن الخطاب عام (19 أو 23هـ / 640 -644م) ، حيث كانت مركزا من مراكز الحركة العلمية والأدبية في العالم الإسلامي، ولاسيما حينما كانت تحت حكم آل بويه (321هـ / 933 م-447 / 1055 م) ثم في حكم السلاجقة فيما بعد. وكلتا الدولتين كان لها دور في تنشيط الحركة الفكرية، وشجعوا العلماء والأدباء والفلاسفة، حتى لقد نبغ في عهدهما من يعد بحق فخر الدولة الإسلامية في العصور المختلفة.
كما نبغ في أصفهان أناس لا يحصون من العلماء في كل علم وفن، ولاسيما العلماء والفلاسفة والأدباء والشعراء الكبار والمؤرخين واللغويين وغيرهم. ولقد كانت أصفهان درة في تاريخ فارس، ومركزا حضاريا حين انطوت تحت راية الإسلام، وممن لمعوا في سماء أصفهان من أئمة الحديث، أبو محمد عبد الله بن حيان الأصفهاني، وجمال الدين الجواد الأصفهاني الوزير، وعماد الدين الكاتب الأصفهاني. ومن المفسرين محمد بن بحر الأصفهاني. ومن المؤرخين ابن حمزة بن الحسين الأصفهاني، والحسن بن عبد الله الأصفهاني، ومن الأدباء واللغويين أبو الفرج الأصفهاني، صاحب الأغاني، ومحمد بن داود الأصفهاني.
ثورة الدستور والشعر الفارسي
تشكل ثورة الدستور (1906 ــ 1908) انعطافا مهماً في حياة الايرانيين سياسيا وثقافيا وادبيا. أي انها وفي المجال الذي نحن فيه تؤشر الي انتهاء حقبة للانحطاط الادبي ومستهل حقبة جديدة للحداثة الشعرية. غير أن هذه الحداثة كانت في المضمون اولا ولم تشمل الوزن والقافية الا بعد سنوات. وقد ركز الخطاب الشعري الفارسي في هذه الفترة اي منذ قيام الثورة وحتي اوائل عهد الشاه رضا البهلوي (1925ــ1941) علي مفاهيم خاصة كحب الوطن والوطنية ونقد الاوضاع الاجتماعية في البلاد.
كما وازداد استخدام الشعراء في هذه الفترة لمفردات مثل (الحرية) و(الوطن) و(الشعب) و(المرأة) و(الغرب) و(القانون) وهي لم تشاهد في قاموس الشعر الفارسي الكلاسيكي. وتعني الحرية هنا الديمقراطية الغربية التي أخذ يتعرف عليها الايرانيون منذ اوائل القرن المنصرم. فيما كانت الحرية قبل ذلك أي في الشعر الفارسي القديم التحرر من السجن او انعتاق العبيد وأشياء من هذا القبيل.
كما ان مفردة (الشعب) وتحت تأثير الثقافة الغربية الوافدة اخذت تحتل مكان مفردة (الأمة) و(الملة) أي ان الشعراء والكتاب اخذوا يركزون علي مفهوم الشعب الايراني اي (ملت ايران) بالفارسية ويستخدمونه بكثرة في قصائدهم واشعارهم وهو مفهوم سياسي مدني حديث بديل لمفهوم (الامة الاسلامية) وهو مفهوم ديني قديم لم يناسب الفترة الجديدة لحياة ايران السياسية والثقافية.
وقدكثر الحديث عن (الوطن) في اشعار وقصائد هذه الفترة وذلك بعد ان اصبح لهذه المفردة مفهوم قومي محدد. ونحن نعلم ان الوطن عند المسلمين في حضارتهم الغابرة يختلف لما عليه حاليا من معني حيث كان يعني القرية او البلدة او المدينة التي يولد فيها الانسان.
واحتلت في هذه الفترة الزمنية من حياة الايرانيين، قضية المرأة مكانا بارزا في الخطاب الادبي والشعري ــ كما في الخطاب السياسي ــ لاول مرة بعد ان كانت القصيدة الفارسية في عهد القديم وعهد الانحطاط مشفوعة بصورة للمرأة باعتبارها الجنس الضعيف او الناقصة العقل او في احسن الاحوال، محبوبة للشاعر.
وكانت المفاهيم الجديدة التي اشرنا عليها آنفا والتي شغلت بال الشعراء الايرانيين في هذه الفترة مأخوذة من خطاب الثورة الفرنسية الكبري (1789) والتي عمت ادبياتها، اصقاع العالم من غربها الي شرقها.
وقد نشاهد في هذه الفترة تيارات ادبية وشعرية منها القومية والشوفينية والانتقادية والشيوعية العمالية.
وخير مثال علي الاتجاهات القومية الفارسية في شعر هذه الفترة هو الشاعر (ملك الشعراء باهار) وهو من ولاية خراسان ــ شرق ايران ــ حيث قضي معظم حياته في العاصمة طهران وعمل استاذا للادب الفارسي في جامعة طهران منذ انشاءها عام 1934.
وقد ركز ملك الشعراء في شعره علي الحضارة الفارسية قبل الاسلام كنموذج للحياة الجديدة للايرانيين في القرن العشرين حيث تجلي ذلك في قصائده التي انشدها في عهد الشاه رضا البهلوي. وكانت بعض قصائد ملك الشعراء تصب في الخطاب السياسي الرسمي للدولة التي كان يتزعمها الشاه المذكور وهو ابو الشاه محمد رضا آخر ملوك ايران الذي اطيحت به الثورة الايرانية في عام 1979.
وكان الشاه رضا البهلوي شديد الاعجاب بالاكاسري وملوك الفرس القدماء وحضارتهم قبل الاسلام ومروجا لتعالي العنصر الآري. وقد تأثر بذلك من الفلسفة النازية في عهد الزعيم الالماني آدولف هتلر الذي كانت تربطه به علاقات سياسية واقتصادية وثقافية واسعة.
ونذكر ان فئة من المثقفين الايرانيين في هذه الفترة التي تزامنت مع انتصار الثورة الشيوعية في روسيا وقيام الاتحاد السوفييتي تأثروا بخطابها وادبياتها منهم ابولقاسم اللاهوتي.
كما كان الشاعر ميرزاده عشقي متارجحا بين الخطاب الشوفيني الفارسي والخطاب الادبي العمالي.
ومن أبرز الشعراء الذين سخطوا علي الوضع القائم في ايران هو ايرج ميرزا حيث انتقد في قصائده الوضع الاجتماعي والسياسي السائد انذاك. ولم يسلم من نقده اللاذع لا الشيخ ولا الشاب ولا الشاه ولا الامير، علما بانه كان أميرا من عائلة القاجار المالكة التي ترعرع في احضانها.
وقد اقتربت لغة الشعر في هذه الفترة من لغة الشارع اي اللغة العامية بسبب المشاركة الشعبية في ثورة الدستور التي استهدفت عرش الملوك المستبدين من عائلة القاجار. وقد اسست الثورة لخطاب أدبي وشعري قريب لنبض الشارع المنتفض علي ظلم الملوك.
في إطار المهام المنوطة بالمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ إيسيسكو ـ للتعريف بعواصم الثقافة الإسلامية، ومدينة أصفهان بالجمهورية الإسلامية الإيرانية. وتهدف المنظمة الإسلامية من وراء ذلك إلى التعريف بأهم المعالم التاريخية والحضارية والثقافية لهذه العواصم، وإبراز ما قدمته هذه المدن عبر العصور ومازالت تقدمه، بفضل علمائها ومثقفيها ومبدعيها، ومن خلال مؤسساتها التربوية والعلمية والثقافية من عطاءات ثرية ومتنوعة في مختلف مجالات العلوم والآداب والفنون، مساهمة من المنظمة الإسلامية في إحياء ذاكرة هذه المدن وتجديد وعي الأجيال الصاعدة بأهمية الوقوف على كنوز التراث الحضاري الإسلامي. وسوف نختار اصفهان لنلقى الضوء عليها:
أصفهان
الموقع:
أصفهان أو أصبهان مدينة إيرانية، بين طهران و شيراز، في الجنوب الشرقي من المقاطعة المركزية في وسط إيران تقريبا. وتحتضن هذه المدينة الساحرة بجمالها وخضرتها السياح على مدار العام لطبيعتها الخلابة على طول مساحتها الشاسعة. وبالعودة لتاريخ هذه المدينة التاريخية نجد أنها ظلت عاصمة لإيران لفترة طويلة إبان حكم الصفويين، فقد حازت المدينة أهمية وصارت من المدن الكبرى في عهد الشاه عباس الكبير الذي اتخذها عاصمة له. وقد عرفت هذه المدينة منذ القديم بهذا الوصف “أصفهان نصف الدنيا”. ويقدر تعداد سكانها اليوم بنحو مليون نسمة. وأصفهان من بين المدن الإيرانية التي تعد الأكثر ثراء في التاريخ والعمارة.
ووصفت منظمة اليونسكو أصفهان التي تعد أحد المحاور السياحية الرئيسة في إيران بأنها (تراث البشرية). ولا غرو فأصفهان التي يقصدها الكثير من السياح الأوروبيين تضم أراضيها العديد من القصور العملاقة التي تحكي تراث وآثار وتاريخ الماضي العريق، مثل: قصر علي قابو الذى يقع غرب ميدان نقشي جاهان ويعود هذا المبنى إلى العصر الصفوي، كان الغرض من بنائه استقبال السفراء والرسل من الدول الأجنبية، ويتكون القصر من ستة طوابق تحوي العديد من الشرف، وتعد الزخارف الجصية واللوحات الموجودة في هذا القصر من الأشياء التي تبعث على الدهشة. ويجد الزائر لقصر علي قابو الكثير من الزخارف والنقوش والرسوم المنحوتة على الجدران والسقوف.
قصر هاشت بهيشت الذى يقع بالقرب من طريق شهار باغ في مقابل طريق شيخ باهاي الحالي، وقد تم تشييده في القرن السادس عشر إبان حكم الشاه سليمان الثاني وتعد الأسقف المحلاة بالرسوم والمشغولات واللوحات الحائطية من الأشياء التي تجعل هذا القصر جديرا بالزيارة.
القصر الملكي الذى يقع في الجنوب الشرقي من الميدان الواقع في وسط أصفهان والذي كان يطلق عليه من قبل “ميداني شاه” ويعني الاسم البوابة الكبيرة، وقد كان الغرض من مدخله الباهر أن يكون رمزا يعكس سلطان ملوك الصفويين الذين حكموا البلاد كما تبين ذلك اللافتات المعلقة بالشرفة، وقد ظل هذا الإبهار موجودا حتى الوقت الحاضر. وقد تغير اسم الميدان إلى “ميداني إمام”. وتمثل الشرفة مكانا نموذجيا يمكن من خلاله مشاهدة مسابقات رياضة البولو التي كانت تقام في الميدان. وكانت تلك الشرفة محلاة بأشكال الطلاء على الجص الخارجي في الجزء الخلفي منها والزخارف الشجرية المتطاولة في السقف. أما الأعمدة كتلك القائمة في “شيهل سوتون” فقد كانت مغلفة بالمرايا الزجاجية بحيث تعطي منظر سقف طاف في الهواء، وقد اتخذت الأعمدة من نفس نوع الأشجار الذي اتخذت منه أعمدة “شيهل سوتون”. ولم تحظ الطوابق السفلية بنفس ذلك القدر من الروعة والبهاء بل قد اتخذت إيواء للحرس.
قصر الأربعين عموداً يعود تاريخه إلى عهد الملك الصفوي السابع شاه عباس الثاني وقد بني عام 1057هجري حسب الدراسات التاريخية لعلماء الآثار، وتتألف أعمدة هذا القصر من جذوع إحدى الأشجار التي طليت بطبقة رقيقة من الألواح المصبوغة، في حين زينت كل جدران القصر بالمرايا والزجاج الملون والرسوم المختلفة. ويعد هذا القصر من أجمل القصور التي بنيت في مدينة أصفهان في العصر الصفوي. وقد أخذ القصر اسمه من الأعمدة المنتشرة في الشرفة، فمنها عشرون قد صفت في ثلاث صفوف كل منها يتألف من ستة أعمدة بالإضافة إلى عمودين آخرين على جانبي المدخل، وعندما كانت تنعكس هذه الأعمدة على سطح مياه البركة يصبح عددها وكأنها أربعون عمودا.
كما يوجد في هذه المدينة الكثير من الحدائق الساحرة بروعتها وجمال تصميمها منذ عشرات السنين لدرجة أن بعضاً من هذه الحدائق يعود عمرها ل(350) سنة مثل حديقة قاعة استقبال قصر “الأربعين عمودا”، كما تزين أصفهان مزارع الفواكه والخضار المختلفة حيث خصوبة الأراضي وصلاحيتها للزراعة.
كما تكثر بأصفهان المصانع خصوصاً مصانع المياه، وفيها كذلك عدد من الجسور التي تقطعها الأنهار ومنها جسر (وردي خان) وجسر (خاجو) اللذان تتوزع بجوارهما الجلسات للاستمتاع بمناظر المدينة الخلابة. وجسر شهرستان: الذي تم بناؤه في القرن الرابع عشر من الميلاد في شرق مدينة أصفهان، وجسر سي أو سيه بول الذى يتكون من ثلاثة وثلاثين قوسا وقد أصدر الشاه عباس الأول تكليفا ببنائه لأحد قواده عام 1010هـ / 1602 م. واسم “سي أو سيه بول” مشتق من العبارة الفارسية “سي أو سيه” التي تعني ثلاثة وثلاثين.
كما تكثر بها المساجد الشهيرة ذات الزخرفات والنقوش الباهرة مثل:المسجد الجامع في أصفهان،أنشأ الفاتحون المسلمون المسجد الجامع في مدينة أصفهان عام 23هـ / 644 م، عندما دخلوا البلاد، الذي كان أول أمره مسجدا صغيرا، ثم هدم وبني مرارا حتى جاء السلاجقة فأعادوا بناءه على الصورة التي بقي عليها إلى اليوم. ولم يبق من المسجد الجامع في أصفهان إلا جدرانه، والمسجد مبني من الحجر والآجر، وينقسم بيت الصلاة إلى أربعة أواوين.
مسجد الشاه عباس: يعد من الآثار الإسلامية الرائعة بمدينة أصفهان، ويعد هذا المسجد من أفخم المساجد التي بنيت في العصر الصفوي، ويمثل هذا المسجد التكامل الفني المعماري الإسلامي، فجدرانه الداخلية والخارجية مكسوة بأجمل ألواح القاشاني الملون ذي الرسوم الزخرفية البديعة، وعلى جانبي المدخل منارتان رشيقتان بارتفاع ثلاثة وثلاثين مترا تقريبا على حين ارتفاع عقد المدخل بلونه الأزرق اللازوردي وزخارفه التي تبلغ حوالي سبعة وعشرين مترا. وتقوم قبته الزرقاء على قاعدة دائرية تكثر فيها النقوش والكتابات، ويقوم بيت الصلاة في المسجد على نظام الإيوانات لا الأروقة، وجهة بيت الصلاة مكسوة ببلاطات القاشاني.
جامع شاه سلطان حسين المعروف باسم “نادر شاه” : يعد هذا الجامع من أجمل ما بناه المعماريون الإيرانيون عام 1008هـ / 1600م، ويشتمل هذا الجامع على بيت الصلاة الذي يعلوه قبة ضخمة تعد من أجمل قباب المسجد، وتحيط بالصحن المستطيل إيوانات ذات طبقتين، وتتصل بالإيوانات الجانبية أفنية صغيرة مربعة ومستطيلة في جوانبها غرف للسكن وخلوات للعبادة.
وهناك مسجد بارسيان وكذلك مسجد داشتي ومسجد جوميه (مسجد الجمعة) الذى وضع أساسه إبان حكم السلاجقة، ويشتمل المسجد على أماكن للصلاة وأخري للتدريس، ويوجد به العديد من الأمثلة الرائعة للفسيفساء الخزفية التي تتضمن نوعين من النقوش البارعة على القنطرة التي تعلو المدخل المؤدي إلى بيت الصلاة. ويعبر مسجد الجمعة تعبيراً دقيقاً عن أربعمائة عام من العمارة الفارسية التي تظهر جليا في المساحة الصغيرة التي يشغلها هذا المسجد، ولذلك فهو يجمع العديد من الموضوعات الزخرفية التي أفردت في العديد من الآثار الأخرى في أنحاء المدينة.
وكذلك مسجد إمام الذى شيد خلال حكم الشاه عباس، ويعد الفن المعماري المستخدم في هذا المسجد آية في الروعة والجمال. وترتفع مآذن المسجد نحو 48م.
وتتميز أصفهان بشوارعها الفسيحة وميادينها الكبيرة، كما تشتهر المدينة التي خرجت كثيراً من المهندسين والمثقفين، بصناعة السجاد الإيراني الشهير الذي تحرص العائلة الإيرانية على الاحتفاظ به بل يعتبرونه كالذهب.
ويحرص الزائر لأصفهان على ألا تفوته فرصة التجول بسوق (البازار) الذي يحوي الكثير من الآثار القديمة وتعرض فيه الكثير من البضائع اليدوية والصناعات التي تشتهر بها أصفهان.
المكانة العلمية لمدينة أصفهان:
قامت مدينة أصفهان بدور مهم في تاريخ الفكر العربي الإسلامي منذ أن فتحت في عهد عمر بن الخطاب عام (19 أو 23هـ / 640 -644م) ، حيث كانت مركزا من مراكز الحركة العلمية والأدبية في العالم الإسلامي، ولاسيما حينما كانت تحت حكم آل بويه (321هـ / 933 م-447 / 1055 م) ثم في حكم السلاجقة فيما بعد. وكلتا الدولتين كان لها دور في تنشيط الحركة الفكرية، وشجعوا العلماء والأدباء والفلاسفة، حتى لقد نبغ في عهدهما من يعد بحق فخر الدولة الإسلامية في العصور المختلفة.
كما نبغ في أصفهان أناس لا يحصون من العلماء في كل علم وفن، ولاسيما العلماء والفلاسفة والأدباء والشعراء الكبار والمؤرخين واللغويين وغيرهم. ولقد كانت أصفهان درة في تاريخ فارس، ومركزا حضاريا حين انطوت تحت راية الإسلام، وممن لمعوا في سماء أصفهان من أئمة الحديث، أبو محمد عبد الله بن حيان الأصفهاني، وجمال الدين الجواد الأصفهاني الوزير، وعماد الدين الكاتب الأصفهاني. ومن المفسرين محمد بن بحر الأصفهاني. ومن المؤرخين ابن حمزة بن الحسين الأصفهاني، والحسن بن عبد الله الأصفهاني، ومن الأدباء واللغويين أبو الفرج الأصفهاني، صاحب الأغاني، ومحمد بن داود الأصفهاني.
ثورة الدستور والشعر الفارسي
تشكل ثورة الدستور (1906 ــ 1908) انعطافا مهماً في حياة الايرانيين سياسيا وثقافيا وادبيا. أي انها وفي المجال الذي نحن فيه تؤشر الي انتهاء حقبة للانحطاط الادبي ومستهل حقبة جديدة للحداثة الشعرية. غير أن هذه الحداثة كانت في المضمون اولا ولم تشمل الوزن والقافية الا بعد سنوات. وقد ركز الخطاب الشعري الفارسي في هذه الفترة اي منذ قيام الثورة وحتي اوائل عهد الشاه رضا البهلوي (1925ــ1941) علي مفاهيم خاصة كحب الوطن والوطنية ونقد الاوضاع الاجتماعية في البلاد.
كما وازداد استخدام الشعراء في هذه الفترة لمفردات مثل (الحرية) و(الوطن) و(الشعب) و(المرأة) و(الغرب) و(القانون) وهي لم تشاهد في قاموس الشعر الفارسي الكلاسيكي. وتعني الحرية هنا الديمقراطية الغربية التي أخذ يتعرف عليها الايرانيون منذ اوائل القرن المنصرم. فيما كانت الحرية قبل ذلك أي في الشعر الفارسي القديم التحرر من السجن او انعتاق العبيد وأشياء من هذا القبيل.
كما ان مفردة (الشعب) وتحت تأثير الثقافة الغربية الوافدة اخذت تحتل مكان مفردة (الأمة) و(الملة) أي ان الشعراء والكتاب اخذوا يركزون علي مفهوم الشعب الايراني اي (ملت ايران) بالفارسية ويستخدمونه بكثرة في قصائدهم واشعارهم وهو مفهوم سياسي مدني حديث بديل لمفهوم (الامة الاسلامية) وهو مفهوم ديني قديم لم يناسب الفترة الجديدة لحياة ايران السياسية والثقافية.
وقدكثر الحديث عن (الوطن) في اشعار وقصائد هذه الفترة وذلك بعد ان اصبح لهذه المفردة مفهوم قومي محدد. ونحن نعلم ان الوطن عند المسلمين في حضارتهم الغابرة يختلف لما عليه حاليا من معني حيث كان يعني القرية او البلدة او المدينة التي يولد فيها الانسان.
واحتلت في هذه الفترة الزمنية من حياة الايرانيين، قضية المرأة مكانا بارزا في الخطاب الادبي والشعري ــ كما في الخطاب السياسي ــ لاول مرة بعد ان كانت القصيدة الفارسية في عهد القديم وعهد الانحطاط مشفوعة بصورة للمرأة باعتبارها الجنس الضعيف او الناقصة العقل او في احسن الاحوال، محبوبة للشاعر.
وكانت المفاهيم الجديدة التي اشرنا عليها آنفا والتي شغلت بال الشعراء الايرانيين في هذه الفترة مأخوذة من خطاب الثورة الفرنسية الكبري (1789) والتي عمت ادبياتها، اصقاع العالم من غربها الي شرقها.
وقد نشاهد في هذه الفترة تيارات ادبية وشعرية منها القومية والشوفينية والانتقادية والشيوعية العمالية.
وخير مثال علي الاتجاهات القومية الفارسية في شعر هذه الفترة هو الشاعر (ملك الشعراء باهار) وهو من ولاية خراسان ــ شرق ايران ــ حيث قضي معظم حياته في العاصمة طهران وعمل استاذا للادب الفارسي في جامعة طهران منذ انشاءها عام 1934.
وقد ركز ملك الشعراء في شعره علي الحضارة الفارسية قبل الاسلام كنموذج للحياة الجديدة للايرانيين في القرن العشرين حيث تجلي ذلك في قصائده التي انشدها في عهد الشاه رضا البهلوي. وكانت بعض قصائد ملك الشعراء تصب في الخطاب السياسي الرسمي للدولة التي كان يتزعمها الشاه المذكور وهو ابو الشاه محمد رضا آخر ملوك ايران الذي اطيحت به الثورة الايرانية في عام 1979.
وكان الشاه رضا البهلوي شديد الاعجاب بالاكاسري وملوك الفرس القدماء وحضارتهم قبل الاسلام ومروجا لتعالي العنصر الآري. وقد تأثر بذلك من الفلسفة النازية في عهد الزعيم الالماني آدولف هتلر الذي كانت تربطه به علاقات سياسية واقتصادية وثقافية واسعة.
ونذكر ان فئة من المثقفين الايرانيين في هذه الفترة التي تزامنت مع انتصار الثورة الشيوعية في روسيا وقيام الاتحاد السوفييتي تأثروا بخطابها وادبياتها منهم ابولقاسم اللاهوتي.
كما كان الشاعر ميرزاده عشقي متارجحا بين الخطاب الشوفيني الفارسي والخطاب الادبي العمالي.
ومن أبرز الشعراء الذين سخطوا علي الوضع القائم في ايران هو ايرج ميرزا حيث انتقد في قصائده الوضع الاجتماعي والسياسي السائد انذاك. ولم يسلم من نقده اللاذع لا الشيخ ولا الشاب ولا الشاه ولا الامير، علما بانه كان أميرا من عائلة القاجار المالكة التي ترعرع في احضانها.
وقد اقتربت لغة الشعر في هذه الفترة من لغة الشارع اي اللغة العامية بسبب المشاركة الشعبية في ثورة الدستور التي استهدفت عرش الملوك المستبدين من عائلة القاجار. وقد اسست الثورة لخطاب أدبي وشعري قريب لنبض الشارع المنتفض علي ظلم الملوك.
الإثنين سبتمبر 20, 2021 3:48 pm من طرف هديل الحمام
» عدرا يا فلسطين????????
الإثنين يوليو 26, 2021 9:28 pm من طرف هديل الحمام
» كورونا - الشاعر : عطا سليمان رموني
الأربعاء يونيو 09, 2021 9:08 pm من طرف اسطورة المنتدى
» رحل ولن يعود
السبت فبراير 20, 2021 7:05 pm من طرف هديل الحمام
» كوفيتي عنواني
السبت فبراير 20, 2021 7:00 pm من طرف هديل الحمام
» كل يوم نصيحه ومعلومه
السبت فبراير 20, 2021 6:49 pm من طرف هديل الحمام
» اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا - الشاعر : عطا سليمان رموني
الثلاثاء فبراير 02, 2021 6:35 pm من طرف اسطورة المنتدى
» هنيال من عطا له أخ - الشاعر : عطا سليمان رموني
السبت يونيو 20, 2020 3:14 pm من طرف اسطورة المنتدى
» الأخذ بالأسباب - الشاعر : عطا سليمان رموني
الأحد مارس 15, 2020 10:50 am من طرف عطا سليمان رموني
» بعد غياب طويل عدت لكم من جديد هديل الحمام
الثلاثاء مارس 03, 2020 6:04 pm من طرف عازفة المشاعر
» رعاية ذوي الاعاقة - الشاعر : عطا سليمان رموني
الثلاثاء فبراير 18, 2020 11:44 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني
» صفقة القرن اللعينة - الشاعر : عطا سليمان رموني
الجمعة يناير 31, 2020 9:11 pm من طرف الشاعر عطا سليمان رموني
» شافي انت الشافي - الشاعر : عطا سليمان رموني
الإثنين ديسمبر 30, 2019 6:20 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني
» اصحب للجماعة - الشاعر عطا سليمان رموني
الأحد ديسمبر 15, 2019 7:17 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني
» يا ارضا عشقنا تربها الغالي
الخميس أكتوبر 10, 2019 8:25 am من طرف driss78