ينتهي الكفاح المسلح، يبدأ المحور التفاوضي الدبلوماسي، يتجاهل ياسر عرفات ضرورة توضيح التحول من حالة القتال إلى السلم الذي يسوق الشعب إليه، يلجأ إلى خطاب ذي نزعة إنسانية يدعو للتصالح مع إسرائيل، ويستمر في الإنفراد بالرؤية والقرار السياسي، فيعتقد البعض أن ذلك محفوفاً بالمخاطر بالنسبة لبقائه السياسي، لكنه ينجح في الاستمرار، ويستطيع بلا منازع أن يؤسس لـ 20 عاماً من الفشل. كيف ذلك؟
يظهر ياسر عرفات في حفل تخريج فوج جديد من الضباط في قطاع غزة، يلقي كلمة فيمجد ويحيي العناصر المكونة للأمة الفلسطينية: أبطال النضال ضد إسرائيل “مسجونين وشهداء”، والدينيين الإسلامي والمسيحي، فيحرص على ذكر اسم الشيخ أحمد ياسين، الشخصية التي تحظى بتقدير لدى الناس فيقول: “وأحيي الأسرى خلف القضبان، وفي مقدمتهم الشيخ أحمد ياسين ونقول لهم إن حريتهم باتت وشيكة”، ويتابع: “يا إخوتي يا أحبتي ويا أهلي، مزيداً مزيداً من هذا الصمود وأدعوكم للوحدة الوطنية، فهي شعارنا وهي قوتنا”. بعد أيام يخرج في حفل بمناسبة تحرير بيت لحم في 1995 فيقول: “أحيي كافة الشهداء وعلى رأسهم أبا جهاد أمير الشهداء”.
في مقر عرفات “منتدى الرئيس بغزة” يصفه أحد الضباط المقربين فيقول: “إنه كائن غريب يسهر حتى الرابعة فجراً فينام ليصحو عند الثامنة صباحاً”، في هذا الوقت القصير لا مجال للأحلام، لكن ياسر عرفات ومن دون كل الناس يحلم بحدود الدولة الفلسطينية التي ينوي بناءها “بالمسطرين” الذي كنّا نراه باستمرار في يده على شاشة تلفزيون فلسطين، فيطل على الجماهير في الصباح، لا يحلو له إلا أن يردد أسماء المدن والقرى الفلسطينية، دون أن ينسى القدس التي ستكون مدخل لشعار: “وليرفع شبل من أشبالنا أو زهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق أسوار ومأذن القدس وكنائس القدس”، والرسالة واضحة: “لن نتنازل عن شبر ولن نتخلى عن القدس”، يتغير حجم الرسالة فتصبح مؤخراً: “لن نعترف بإسرائيل”.
يطيب للجماهير أن تُردد على مسامعهم تلك الكلمات المشحونة بالعواطف، فيهيج الفلسطينيون على وقع تلك الانتصارات الرمزية، يبتسم ياسر عرفات لهم، فيبدأوا وبصوت واحد: “عالقدس رايحين شهداء بالملايين”. يعود عرفات ليستعين بالرموز التي يعرف أن مضمونها يؤثر على كل فلسطيني، فهي تخدم عملية تعبئة الجموع، وتفيد في بث الولاء له والسلطة الوطنية معاً.
يوم الجمعة، يؤدي عرفات الصلاة في المسجد، يأتي الخطيب على ذكر حمامة السلام، يثير حفيظة عرفات، فيقرر الظهور على شاشة التلفاز في أي لقاء تلفزيوني مع مراسل ينتظره خارج المسجد، فيكرر في كلامه “الله أكبر، الله أكبر، ومعاً وسوياً وجنباً إلى جنب حتى القدس حتى القدس”، يلهب أبو عمار حماس النسوة والأطفال في البيوت، ويواصل استثارة الرغبات الوطنية وسط الرعية، ويلعب على المفارقة والتفاوت الصارخ بين الخطب والأهداف.
لا يشرح أبو عمار شيئاً عن مشروعه السلمي، ولا يتصل بأحد من زبانيته، فكلهم يحيطون به، “وبكبسة زر” يحضر الغائب منهم، يقنعهم جميعاً أنه المدافع المخلص عن الوطن، يتلقّى اتصالاً من كونداليزا رايس، ينتهي بالموافقة على مقترحاتها، يلبس الكوفيه ويأمر بإقامة فعاليّة وطنية فورية، يطل على الناس مستهلاً: “يا شعب الجبارين، أنتم هنا تمثلون هذا الجبروت، هذا الشعب الصامد في أرض الرباط دفاعاً عن المقدسات الإسلامية والمسيحية”. يحاول عرفات إكمال الخطاب فيبدأ التصفير والهتاف: “بالروح بالدم نفديك يا أبو عمار” يصحح لهم قائلاً: “يا فلسطين.. نفديك يا فلسطين”، تنتهي الفعالية، يعود أحد الشباب إلى بيته بحذاءٍ مقطوع وآخر يبحث عن هويته التي ضاعت في “الميمعة”. فداك يا أبو عمار.
1996 موعد الإنتخابات التشريعية والرئاسية، يفرض ياسر عرفات قوائم المرشحين على الجماهير في قطاع غزة، ويخرج بعدها في مهرجان ليقول: “معا وسوياً إ الدولة الفلسطينية ا و ادس ارف، وإللي مش عاجبه يشرب من البحر الميت، ويا جبل ما يهزك ريح”، يعود ليتذكر مشروع الحل السلمي، فيختار شعارات للحملة الإنتخابية مثل: “نعم للعدل والديمقراطية” و “لا للبطالة”، على اعتبار أن الشعب الفلسطيني كله موظف سلطة وطنية، تنتهي الإنتخابات بفوز 100% إلا قليلاً لعرفات ومرشحيه.
تُنظم وزارة الثقافة يوماً لإحياء التراث الفلسطيني وتدعو ياسر عرفات، فيلبي الدعوة، يصل المكان، يفتتح المعرض فيقص الشريط، يُقبل يد الطفلة الصغيرة التي تلبس الثوب المطرز، يتجول فيه، يصل زاوية الموسيقى، يتناول عرفات طرف الكوفية ويبدأ الرقص والدبكة، يَلعن عرفات القومية النضالية ويكتفي بوطنية فلكلورية يدفع الناس بإتجاهها، فيدخل الجميع حلبة الرقص ليشارك أبو عمار، يُنهي جولته بمؤتمر صحفي قائلاً: “هذا الشعب سيدافع عن أرض العروبة من المحيط إلى الخليج، سيدافع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية، وعن الأحرار والشرفاء”.
يغادر ياسر عرفات متوجهاً إلى جنوب إفريقيا 1994، يزور أحد المساجد، فيلقي كلمة قائلاً: “فمعركتنا الأساسية هي القدس، تعالوا لتصلوا في القدس، تعالوا لتساعدونا في الجهاد من أجل تحرير عاصمتنا التاريخية”، يثير هذا التملص الشفوي رد فعل إسرائيلي ساخط، ينكشف عجز عرفات وإنتقاله تدريجياً إلى عالم الأحلام، يبقى على هذا المنوال يعيش على طمأنة الجمهور والتستر على ضعفه، فيرمي كل شهر خطاباً حماسياً في الخارج، لا لشيئ سوى للتأكيد على وظيفته كممثل وحيد للشعب الفلسطيني.
يحين تاريخ 1-1 من كل عام، موعد إنطلاقة حركة فتح، تنتشر الجماهير في الشوارع، يطل ياسر عرفات على الناس من سقف سيارة يلفها الحراس في موكب طوله 2 كيلو، يهرول الناس بجانب سيارته آملين منه قبله “على الطاير”، يصل موقع المهرجان فيعلو الصفير والصراخ، يعتلي عرفات المنصة مهمته هذه المرة خطاب جماهيري جديد، وظيفته التنفيس والتعبير عن رغبات المستمعين المكبوتة، يبدأ ملوحاً بيده، مشيراً بعلامة النصر، تهتف الجماهير لأكثر من 5 دقائق، يتناول عرفات السماعة فيقول: “يا أهلي يا إخوتي، يا أحبتي، في مخيم جباليا، في بيت لاهيا، في تل الزعتر، ومن رفح جراد إلى جنين جراد”، فترد الجماهير: “بالروح بالدم نفديك يا أبو عمار”، ينتهي الخطاب يذهب عرفات إلى مكتبه، يستريح قليلاً، يدخل محمد رشيد حاملاً كماً هائلاً من الرسائل الموجهة لعرفات، مجملها طلب مساعدات مالية، يفتحها عرفات، يجد أنها رسائل غير مفيدة، أحدها لمستخدم مدني في قسم الأمن بالقوة الـ 17.. يطرد عرفات الجميع خارج الغرفة، يبتسم ويوقع كافة الرسائل والشيكات، ليتأكد من ولاء الناس له، وقبولهم بنظام السلطة.. يتذكر الناس عرفات سابقاً وحالياً فيقولون: “رحم الله أيام أبو عمار إذا ما قدمت له شيك وقعه على الفور”، وتعتقد الجماهير أن أبو عمار “الأب الحنون” يدفع من “جيبته” أو من صندوق العائلة، ولا تريد الناس إدراك أن ذلك جزء من مشروع أوسلو الكبير.[size]
يحج زبانية ياسر عرفات حول مكتبه إذا أرادوا الإستمرار في شغل وظيفة مدفوعة الأجر في صفوف حركة فتح أو أجهزة السلطة، والإبقاء على فرص تتاح لمستقبلها السياسي. سامي أبو سمهدانة رومانسي ثوري في حركة فتح، يسابق الريح بساريته الـ بي. أم. دبليو السوداء أو المرسيدس البيضاء حسب فصول السنة، يجد مشقة في تحديد موقعة على رقعة الشطرنج السياسي، يصل عرفات إلى غزة عام 1994، يذهب أبو سمهدانة لمقابلته فيقول له ما يجول بخاطره، أي أن لسامي رأي أيضاً، تثور أعصاب عرفات فيودعه في الزنزانة، يفرجوا عنه بعد ساعتين، يقول له عرفات أنه أساء الفهم ليس أكثر، يفهم أبو سمهدانة الرسالة: “لا يوجد هنا سوى رئيس واحد هو ياسر عرفات”. تمر الشهور فيحصل أبو سمهدانة على منصب مسئول في صفوف القوة 17، يُسأل سامي عن سبب انظمامه لهذه القوة، فيذكر ثلاثة أسباب أحدها: “تلك طريقة لكي أكسب قوتي”.
يقرر عرفات الخروج من دوامة المكتب، وتوزيع الأموال، واتصالات رجال العشائر والإصلاح، يجهز نفسه للحديث على الهواء مباشرة، يضع كل النياشين على صدره، يبدو حوله عدد من المستشارين ينظر إليهم مرّة، وإلى شاشة التلفزيون مرة أخرى، تبدأ الإعلامية ماريا معلوف الحوار معه قائلة” “فخامة الرئيس اسمح لي في بداية اللقاء أن أخاطبك بلقبك التاريخي، التقليد الفلسطيني المحبب وهو “أبوعمار” فيبتسم أبو عمار ويقول: “وأنا يسعدني أن تقولي لي ذلك”، يستمر الحوار فتسأل معلوف: ماذا أخذ الرئيس عرفات من اتفاقية أوسلو وصولاً إلى خارطة الطريق، وهل تم التنسيق مع الإنتفاضة خلال محادثاتكم السرية في أوسلو؟ يرد عرفات: “إنتي بتتوقعي الشعب الفلسطيني بدون قيادة، انتي شو مالك علينا، ومين دافعك علينا.. إصحي إصحي، إنتي بتكلمي ياسر عرفات، قائد الشعب الفلسطيني، والنائب الدائم للدول الإسلامية ودول عدم الإنحياز، انتي بتكلمي اللي صمد في أكبر حرب عربية في بيروت، ويقرر عرفات بعدها انهاء المقابلة”.
تغتال إسرائيل عشرات الفلسطينيين في المنفى والداخل الفلسطيني، ويظل ياسر عرفات يتمنى الشهادة لأكثر من 40 عاماً فيقول: “اللهم يا رب الكون أطعمني أن أكون شهيدا من شهدائكم”. ولكنه يموت عن عمر يناهز 75 عاماً في ظروف لا زالت غامضة ولن يعرفها أحد طالما لم يستطع الفلسطينيون الكشف بالإسم عن قتلة رسام الكاريكاتير ناجي العلي، ورغم ذلك حَسَبَ الفلسطينيون وبأثر رجعي ياسر عرفات شهيداً، ولا زال الجميع يتذكر بعض كلماته: “لقد جئتم بغصن الزيتون في يدي وببندقية الثائر في يدي، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي”. منذ ذلك الخطاب لم نرَ إلا أشباه “البنادق”، وأما شجر الزيتون، فلم يحالف عرفات الحظ كي يمسك حتى غصناً واحداً بكف يده، فقد أراحته إسرائيل بخلع الشجر كله منذ أن سمعت خطابه هذا.
[/size]
يظهر ياسر عرفات في حفل تخريج فوج جديد من الضباط في قطاع غزة، يلقي كلمة فيمجد ويحيي العناصر المكونة للأمة الفلسطينية: أبطال النضال ضد إسرائيل “مسجونين وشهداء”، والدينيين الإسلامي والمسيحي، فيحرص على ذكر اسم الشيخ أحمد ياسين، الشخصية التي تحظى بتقدير لدى الناس فيقول: “وأحيي الأسرى خلف القضبان، وفي مقدمتهم الشيخ أحمد ياسين ونقول لهم إن حريتهم باتت وشيكة”، ويتابع: “يا إخوتي يا أحبتي ويا أهلي، مزيداً مزيداً من هذا الصمود وأدعوكم للوحدة الوطنية، فهي شعارنا وهي قوتنا”. بعد أيام يخرج في حفل بمناسبة تحرير بيت لحم في 1995 فيقول: “أحيي كافة الشهداء وعلى رأسهم أبا جهاد أمير الشهداء”.
في مقر عرفات “منتدى الرئيس بغزة” يصفه أحد الضباط المقربين فيقول: “إنه كائن غريب يسهر حتى الرابعة فجراً فينام ليصحو عند الثامنة صباحاً”، في هذا الوقت القصير لا مجال للأحلام، لكن ياسر عرفات ومن دون كل الناس يحلم بحدود الدولة الفلسطينية التي ينوي بناءها “بالمسطرين” الذي كنّا نراه باستمرار في يده على شاشة تلفزيون فلسطين، فيطل على الجماهير في الصباح، لا يحلو له إلا أن يردد أسماء المدن والقرى الفلسطينية، دون أن ينسى القدس التي ستكون مدخل لشعار: “وليرفع شبل من أشبالنا أو زهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق أسوار ومأذن القدس وكنائس القدس”، والرسالة واضحة: “لن نتنازل عن شبر ولن نتخلى عن القدس”، يتغير حجم الرسالة فتصبح مؤخراً: “لن نعترف بإسرائيل”.
يطيب للجماهير أن تُردد على مسامعهم تلك الكلمات المشحونة بالعواطف، فيهيج الفلسطينيون على وقع تلك الانتصارات الرمزية، يبتسم ياسر عرفات لهم، فيبدأوا وبصوت واحد: “عالقدس رايحين شهداء بالملايين”. يعود عرفات ليستعين بالرموز التي يعرف أن مضمونها يؤثر على كل فلسطيني، فهي تخدم عملية تعبئة الجموع، وتفيد في بث الولاء له والسلطة الوطنية معاً.
يوم الجمعة، يؤدي عرفات الصلاة في المسجد، يأتي الخطيب على ذكر حمامة السلام، يثير حفيظة عرفات، فيقرر الظهور على شاشة التلفاز في أي لقاء تلفزيوني مع مراسل ينتظره خارج المسجد، فيكرر في كلامه “الله أكبر، الله أكبر، ومعاً وسوياً وجنباً إلى جنب حتى القدس حتى القدس”، يلهب أبو عمار حماس النسوة والأطفال في البيوت، ويواصل استثارة الرغبات الوطنية وسط الرعية، ويلعب على المفارقة والتفاوت الصارخ بين الخطب والأهداف.
لا يشرح أبو عمار شيئاً عن مشروعه السلمي، ولا يتصل بأحد من زبانيته، فكلهم يحيطون به، “وبكبسة زر” يحضر الغائب منهم، يقنعهم جميعاً أنه المدافع المخلص عن الوطن، يتلقّى اتصالاً من كونداليزا رايس، ينتهي بالموافقة على مقترحاتها، يلبس الكوفيه ويأمر بإقامة فعاليّة وطنية فورية، يطل على الناس مستهلاً: “يا شعب الجبارين، أنتم هنا تمثلون هذا الجبروت، هذا الشعب الصامد في أرض الرباط دفاعاً عن المقدسات الإسلامية والمسيحية”. يحاول عرفات إكمال الخطاب فيبدأ التصفير والهتاف: “بالروح بالدم نفديك يا أبو عمار” يصحح لهم قائلاً: “يا فلسطين.. نفديك يا فلسطين”، تنتهي الفعالية، يعود أحد الشباب إلى بيته بحذاءٍ مقطوع وآخر يبحث عن هويته التي ضاعت في “الميمعة”. فداك يا أبو عمار.
1996 موعد الإنتخابات التشريعية والرئاسية، يفرض ياسر عرفات قوائم المرشحين على الجماهير في قطاع غزة، ويخرج بعدها في مهرجان ليقول: “معا وسوياً إ الدولة الفلسطينية ا و ادس ارف، وإللي مش عاجبه يشرب من البحر الميت، ويا جبل ما يهزك ريح”، يعود ليتذكر مشروع الحل السلمي، فيختار شعارات للحملة الإنتخابية مثل: “نعم للعدل والديمقراطية” و “لا للبطالة”، على اعتبار أن الشعب الفلسطيني كله موظف سلطة وطنية، تنتهي الإنتخابات بفوز 100% إلا قليلاً لعرفات ومرشحيه.
تُنظم وزارة الثقافة يوماً لإحياء التراث الفلسطيني وتدعو ياسر عرفات، فيلبي الدعوة، يصل المكان، يفتتح المعرض فيقص الشريط، يُقبل يد الطفلة الصغيرة التي تلبس الثوب المطرز، يتجول فيه، يصل زاوية الموسيقى، يتناول عرفات طرف الكوفية ويبدأ الرقص والدبكة، يَلعن عرفات القومية النضالية ويكتفي بوطنية فلكلورية يدفع الناس بإتجاهها، فيدخل الجميع حلبة الرقص ليشارك أبو عمار، يُنهي جولته بمؤتمر صحفي قائلاً: “هذا الشعب سيدافع عن أرض العروبة من المحيط إلى الخليج، سيدافع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية، وعن الأحرار والشرفاء”.
يغادر ياسر عرفات متوجهاً إلى جنوب إفريقيا 1994، يزور أحد المساجد، فيلقي كلمة قائلاً: “فمعركتنا الأساسية هي القدس، تعالوا لتصلوا في القدس، تعالوا لتساعدونا في الجهاد من أجل تحرير عاصمتنا التاريخية”، يثير هذا التملص الشفوي رد فعل إسرائيلي ساخط، ينكشف عجز عرفات وإنتقاله تدريجياً إلى عالم الأحلام، يبقى على هذا المنوال يعيش على طمأنة الجمهور والتستر على ضعفه، فيرمي كل شهر خطاباً حماسياً في الخارج، لا لشيئ سوى للتأكيد على وظيفته كممثل وحيد للشعب الفلسطيني.
يحين تاريخ 1-1 من كل عام، موعد إنطلاقة حركة فتح، تنتشر الجماهير في الشوارع، يطل ياسر عرفات على الناس من سقف سيارة يلفها الحراس في موكب طوله 2 كيلو، يهرول الناس بجانب سيارته آملين منه قبله “على الطاير”، يصل موقع المهرجان فيعلو الصفير والصراخ، يعتلي عرفات المنصة مهمته هذه المرة خطاب جماهيري جديد، وظيفته التنفيس والتعبير عن رغبات المستمعين المكبوتة، يبدأ ملوحاً بيده، مشيراً بعلامة النصر، تهتف الجماهير لأكثر من 5 دقائق، يتناول عرفات السماعة فيقول: “يا أهلي يا إخوتي، يا أحبتي، في مخيم جباليا، في بيت لاهيا، في تل الزعتر، ومن رفح جراد إلى جنين جراد”، فترد الجماهير: “بالروح بالدم نفديك يا أبو عمار”، ينتهي الخطاب يذهب عرفات إلى مكتبه، يستريح قليلاً، يدخل محمد رشيد حاملاً كماً هائلاً من الرسائل الموجهة لعرفات، مجملها طلب مساعدات مالية، يفتحها عرفات، يجد أنها رسائل غير مفيدة، أحدها لمستخدم مدني في قسم الأمن بالقوة الـ 17.. يطرد عرفات الجميع خارج الغرفة، يبتسم ويوقع كافة الرسائل والشيكات، ليتأكد من ولاء الناس له، وقبولهم بنظام السلطة.. يتذكر الناس عرفات سابقاً وحالياً فيقولون: “رحم الله أيام أبو عمار إذا ما قدمت له شيك وقعه على الفور”، وتعتقد الجماهير أن أبو عمار “الأب الحنون” يدفع من “جيبته” أو من صندوق العائلة، ولا تريد الناس إدراك أن ذلك جزء من مشروع أوسلو الكبير.[size]
يحج زبانية ياسر عرفات حول مكتبه إذا أرادوا الإستمرار في شغل وظيفة مدفوعة الأجر في صفوف حركة فتح أو أجهزة السلطة، والإبقاء على فرص تتاح لمستقبلها السياسي. سامي أبو سمهدانة رومانسي ثوري في حركة فتح، يسابق الريح بساريته الـ بي. أم. دبليو السوداء أو المرسيدس البيضاء حسب فصول السنة، يجد مشقة في تحديد موقعة على رقعة الشطرنج السياسي، يصل عرفات إلى غزة عام 1994، يذهب أبو سمهدانة لمقابلته فيقول له ما يجول بخاطره، أي أن لسامي رأي أيضاً، تثور أعصاب عرفات فيودعه في الزنزانة، يفرجوا عنه بعد ساعتين، يقول له عرفات أنه أساء الفهم ليس أكثر، يفهم أبو سمهدانة الرسالة: “لا يوجد هنا سوى رئيس واحد هو ياسر عرفات”. تمر الشهور فيحصل أبو سمهدانة على منصب مسئول في صفوف القوة 17، يُسأل سامي عن سبب انظمامه لهذه القوة، فيذكر ثلاثة أسباب أحدها: “تلك طريقة لكي أكسب قوتي”.
يقرر عرفات الخروج من دوامة المكتب، وتوزيع الأموال، واتصالات رجال العشائر والإصلاح، يجهز نفسه للحديث على الهواء مباشرة، يضع كل النياشين على صدره، يبدو حوله عدد من المستشارين ينظر إليهم مرّة، وإلى شاشة التلفزيون مرة أخرى، تبدأ الإعلامية ماريا معلوف الحوار معه قائلة” “فخامة الرئيس اسمح لي في بداية اللقاء أن أخاطبك بلقبك التاريخي، التقليد الفلسطيني المحبب وهو “أبوعمار” فيبتسم أبو عمار ويقول: “وأنا يسعدني أن تقولي لي ذلك”، يستمر الحوار فتسأل معلوف: ماذا أخذ الرئيس عرفات من اتفاقية أوسلو وصولاً إلى خارطة الطريق، وهل تم التنسيق مع الإنتفاضة خلال محادثاتكم السرية في أوسلو؟ يرد عرفات: “إنتي بتتوقعي الشعب الفلسطيني بدون قيادة، انتي شو مالك علينا، ومين دافعك علينا.. إصحي إصحي، إنتي بتكلمي ياسر عرفات، قائد الشعب الفلسطيني، والنائب الدائم للدول الإسلامية ودول عدم الإنحياز، انتي بتكلمي اللي صمد في أكبر حرب عربية في بيروت، ويقرر عرفات بعدها انهاء المقابلة”.
تغتال إسرائيل عشرات الفلسطينيين في المنفى والداخل الفلسطيني، ويظل ياسر عرفات يتمنى الشهادة لأكثر من 40 عاماً فيقول: “اللهم يا رب الكون أطعمني أن أكون شهيدا من شهدائكم”. ولكنه يموت عن عمر يناهز 75 عاماً في ظروف لا زالت غامضة ولن يعرفها أحد طالما لم يستطع الفلسطينيون الكشف بالإسم عن قتلة رسام الكاريكاتير ناجي العلي، ورغم ذلك حَسَبَ الفلسطينيون وبأثر رجعي ياسر عرفات شهيداً، ولا زال الجميع يتذكر بعض كلماته: “لقد جئتم بغصن الزيتون في يدي وببندقية الثائر في يدي، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي”. منذ ذلك الخطاب لم نرَ إلا أشباه “البنادق”، وأما شجر الزيتون، فلم يحالف عرفات الحظ كي يمسك حتى غصناً واحداً بكف يده، فقد أراحته إسرائيل بخلع الشجر كله منذ أن سمعت خطابه هذا.
[/size]
الإثنين سبتمبر 20, 2021 3:48 pm من طرف هديل الحمام
» عدرا يا فلسطين????????
الإثنين يوليو 26, 2021 9:28 pm من طرف هديل الحمام
» كورونا - الشاعر : عطا سليمان رموني
الأربعاء يونيو 09, 2021 9:08 pm من طرف اسطورة المنتدى
» رحل ولن يعود
السبت فبراير 20, 2021 7:05 pm من طرف هديل الحمام
» كوفيتي عنواني
السبت فبراير 20, 2021 7:00 pm من طرف هديل الحمام
» كل يوم نصيحه ومعلومه
السبت فبراير 20, 2021 6:49 pm من طرف هديل الحمام
» اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا - الشاعر : عطا سليمان رموني
الثلاثاء فبراير 02, 2021 6:35 pm من طرف اسطورة المنتدى
» هنيال من عطا له أخ - الشاعر : عطا سليمان رموني
السبت يونيو 20, 2020 3:14 pm من طرف اسطورة المنتدى
» الأخذ بالأسباب - الشاعر : عطا سليمان رموني
الأحد مارس 15, 2020 10:50 am من طرف عطا سليمان رموني
» بعد غياب طويل عدت لكم من جديد هديل الحمام
الثلاثاء مارس 03, 2020 6:04 pm من طرف عازفة المشاعر
» رعاية ذوي الاعاقة - الشاعر : عطا سليمان رموني
الثلاثاء فبراير 18, 2020 11:44 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني
» صفقة القرن اللعينة - الشاعر : عطا سليمان رموني
الجمعة يناير 31, 2020 9:11 pm من طرف الشاعر عطا سليمان رموني
» شافي انت الشافي - الشاعر : عطا سليمان رموني
الإثنين ديسمبر 30, 2019 6:20 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني
» اصحب للجماعة - الشاعر عطا سليمان رموني
الأحد ديسمبر 15, 2019 7:17 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني
» يا ارضا عشقنا تربها الغالي
الخميس أكتوبر 10, 2019 8:25 am من طرف driss78