:
تأليف
طلبة من المدارس في فلسطين
ما زلت أنتظر
فداء سعيد دحلان
الصف الثاني عشر ( مدرسة خانيونس ث أ بنات)
ما زالت ضلوعي ترتجف، وعيناي تدمعان كلما استعادتْ ذاكرتي استشهادَ ابن عمي أحمد، الذي كان بمثابة أخ لي وصديق. كان يوماً أسود حين أقبلت ابنةُ عمي الصغيرة ترتجف وتصرخ: "أحمد طخوه اليهود".
لم أصدق، فقد كان منذ ساعتين يتحدث معي، وهو في طريقه إلى المدرسة.
خرجتُ مسرعة إلى بيتهم المجاور، فارتعبت أكثر حين رأيت زوجةَ عمي أم أحمد تبكي وتهذي" يا حبيبي يا أحمد". وحين رأيت جدتي مغشيّاً عليها.
كان الجيران مجتمعين للتخفيف عنهم. لم أتمالك نفسي فانخرطت في البكاء، ثم جلستُ أقرأ القرآن وأدعو لأحمد.
أطلّ خالي وقد اصفرّ وجهُه من الصدمة. اندفعتُ نحوه ورجوْتُه أن يَصْدُقَني القول عن حالة أحمد، فرد بأنّ إصابته في قدمه. لم أصدّقْه. سألت الآخرين، فأجابوني نفس الإجابة. وبينما أنا جالسة أترقب هاتفاً أو خبراً، سمعت صوتَ أمي يتطاير إلى مسامعي، وهي تسأل خالي عن إصابة أحمد، فأخبرها بأن إصابته بالرأس، وقد أصيب حين كان يحاولُ إنقاذَ جثتيْ شابّينْ قتلهما الصهيانة، وألقوا بجثتيهْما إلى جانب السيارة العسكرية، وأخبرها بأن حالته خطرة، حيث تمّ تحويله إلى أحد المستشفيات الإسرائيلية.
مرّ علينا يومان من الانتظار. وفي يوم 13/11/2000م، عدتُ من المدرسة لأرى البيت وقد لفّه الصمت، وكان أحدُ أقاربنا يحاول الاتصالَ بالمستشفى للاطمئنان عليه. وعند أذان العصر توضّأت لأصلي. دخلتُ الغرفة فإذا بعمتي وابن عمي يبكيان. لم أتمالك نفسي فسقطت مغشياً عليّ، ولم استيقظ إلا على صوت الهتاف، فنظرت من الشباك لأرى مالم أتمن، رأيت كلمات النعي مخطوطة على الجدران، فصرخت عليهم بألا ينعوه، فهو مازال حياً. ولكن لم يلتفت اليّ أحد. فقد استشهد احمد.
في اليوم التالي ودعنا أحمد لنودع معه نجماً من السماء. ولكنني ما زلت انتظر عودتَهَ. ما زلت أنتظر أن يَفتح الباب، ويقول لي مداعباً كالعادة "بخ"
· قصة استشهاد أحمد حسن دحلان
حتى لو حلّ السلام
دعاء سعد قشطة
الصف الرابع الأساسي ( مدرسة آمنه بنت وهب الأساسية- خانيونس)
لن أنسى تلك الليلة المرعبة. حين كنت أذاكر دروسي للغد. فإذا بي أسمع صراخا قويا اختلط بأصوات القذائف. أطلّت أختي آلاء برأسها من النافذة، فإذا بالشوارع تغصّ بصُراخ الأطفال والرجال والنساء: صراخ الخوف الذي اخترق دماغي. راحت أمّي تبحث عنا في حجرات المنزل، وأخذت توقظ إخوتي الكبار والصغار وهي تنادي علينا بصوت مبحوح وبدموع يخنقها الغضب والرعب. كنت خائفة جدا من القصف. كان أبي يقول: " لا تخافوا إنّ الله معنا. أطفئوا الأنوار" فقلت لا يا أبي لا تفعل، حتى لا يقصف المجرمون بيتنا.
كان أخي الكبير محمد يلتفت حوله ليطمئنّ علينا وكنت أدعو الله أن يهدأ القصف ولكنه كان في ازدياد، لقد قُصفت الكثيرٌ من منازل المدنية….
هذه الليلة المرعبة لن أنساها ما دمت حية، حتى لو حل السلام.
حين فقدت نصف عمري
فداء سعيد دحلان
الصف الثاني عشر ( مدرسة خانيونس ث أ بنات)
كانت ليلة رمضانية باردة، حينما استيقظتُ على صوت أمي وهي تنادي " ( قوموا يا أولاد، لقد بدا القصف ) ولكنها لم تكن ككل ليلة، حيث كانت الأمطار تتساقط بغزارة، والرياح تلفح وجهَ كلِّ من يطل من شباكه. ومع ذلك فقد خرج جميعُ الناس إلى الشوارع.
وقفتُ مَعَ أمي قرب الشباك لمراقبة ما يجري. بدأت نداءات الاستغاثة تعلو وتعلو عَبْرَ مكبرّات المساجد " حىّ على الجهاد ---- حىّ على الجهاد. إخوانكم في المعسكر الغربي بحاجة إليكم".
أسرع الشبان لتلبية نداء الوطن، وبدأ الموقف يشتدّ حدّه، حيث انهمرت الأمطار واشتدت الرياح وازداد القصف. وكان صوت المذياع يغني " القدس ح ترجع لنا " وفي اللحظة نفسها قرأت على شاشة التلفاز " خبر عاجل ، انضم إلى قافلة الشهداء الشاب مهدي أبو رمضان". لم أصدق. كان مهدي جارَنا، وكان استشهادُه بعد استشهاد ابن عمي أحمد بشهر واحد.
لم أصدق أن يستشهد شابان من حارتنا في شهر واحد.
بدأ الشبان يتجمعون أمام منزل الشهيد. استيقظ اخوتي الصغار على صوت القنابل والصواريخ والرصاص، فرحُت أهدّئ من رَوْعهم، وبخاصة أختي الصغيرة التي لم تتجاوز الأربع سنوات، والتي أخذت تمطرني بوابل من الأسئلة، التي لم أستطيع أن أجيب على الكثير منها، إذ راحت تسألني وهي ترتجف " بدهم يموّتونا اليهود ؟!! ولما يموتونا اليهود يدفنوا معنا فوانيس رمضان ؟؟"
بقينا على هذا الحال حتى بزغ الفجر، ورحل الليل وقد طوى بين طياته أربعةَ شبان ممن هبوا للدفاع عن أرضهم غيرَ آبهين بالموت.
لقد كانت ساعات مرعبة، انقلب فيها الليل نهاراً، وشعرت فيها بأنني فقدتُ نصفَ عمري.
لماذا قتلوه ؟؟
زينة مصطفى شعت
الصف الثاني عشر ( مدرسة خان يونس ث أ بنات)
بعد أن انتهيت من صلاة العصر، شرعت أقرأ آيات من ذكر الله الحكيم. وفجأة سمعت صوتاً وأي صوت !! إنه صراخٌ لم أستطع أن أميّزه أهو صراخ نساء أم بكاء أطفال ؟؟
أسرعت إلى النافذة فرأيت منظراً مروّعاً، لم أشعر بنفسي إلا وأنا في الشارع العام. لا أدري كيف وصلت إلى هناك. أخذت أتقدم حتى وصلت ذلك الرجل الملقى وهو يسبح في بركة من دمه، ورأسه فارغٌ من المنتصف، وهناك كومة لحم بجانبه. لم أشعر بنفسي إلا وأنا أضمُّه وأبكي بحرقة.
اقتربت امرأةٌ مني وقالت لي : " هل أنت ابنتُه، البقاء لله ".
لم تعرف تلك المرأة أننا شعب تربطنا رابطةٌ واحدة، فنحن جميعا أبناء الأقصى، لا بد أنها ليست فلسطينية و إلا لما سألتني ذلك السؤال!
أخذت أتساءل: لماذا يحدث لنا كلّ ذلك؟ ترى ما موقف أهله عندما يعلمون ؟ هل له زوجة وأولاد؟ وأمه، هل هي على قيد الحياة؟ وأبوه على هو حي يرزق؟
وصلت سيارة الإسعاف وحملوه إلى المستشفى.
أحسست بأن يداً صغيرة تمسك بي، إنه طفل. أخذته وضممته كي أساند طفولته البريئة. فقد كان يبكي ويقول لماذا قتلوه؟؟
لم أعرف بماذا أجيبه، اكتفيت بقبلة بريئة طبعتها على وجنتيه ورحلت.
مات أبي في حضني
زينة مصطفى شعت
الصف الثاني عشر ( مدرسة خان يونس ث أ بنات)
أوصيتُه أن يُحضِرَ لي الكتاب الذي طلبت، طبعَ قبلتَهُ المعتادة على خدي وذهب.
ناديته بابا … بابا لا تذهب. وعانقته بقوة. شعرت بأنني لن أراه ثانية، ابتسم وقال: لن أتأخر.
لا أدري ما سرُّ هذا الإحساس؟ كنت قلقةً فعلاً.شعرت بأن أمراً ما سيحدث " استر يا رب" بعد دقائق معدودة من خروجه، سمعت صوت طلقات رصاص، ركضت إلى النافذة.. إنه أبي !! نعم أبي ملقى في الشارع.
خرجت مسرعة إلى الشارع بابا .. بابا.. لا لن تموت، يجب أن تعيش، يجب أن ترى ابنتك وهي مهندسة، يجب أن تهنئني عندما أنجح. أرجوك يا بابا لالالا تمت.
سأحقق لك أحلامك. انهض يا فرحة عمري كي لا تقتل عمري.
حينئذ أمسك بيدي والدموع في عينيه وقال: لا تبكي يا حبيبتي ولا تعذبيني، فقد جاء أَجَلي ومرحبا بلقاء ربي. أوصيك بأمك وأخوتك. أوصيك بهم. ومسح دموعي وقبّلني ومات.
مات الذي أحيا من أجله، مات دون أن يقترف ذنبا. مات لأنه أراد أن يُحضر لي الكتاب !!! مات لأنّه فلسطيني !!! يا ألهي ما أصعب الظلم !! لماذا أبي بالذات. لماذا ؟؟؟
غابت شمسي، وقتلت بسمتي لكي يضحك شارون وينام وهو مرتاح…. !!!
مات أبي في حِضني، ودمه في يدي. من سيسهر معي؟ من سيفرح بنجاحي؟ من سيمدني بالصبر والقوة؟ من سيمنحني العطف والحنان؟
وماذا اقترفت من ذنب لأستحق كلَّ هذا ؟؟
الكوابيس تطارد ذاكرتي
شاتيلا خميس طومان
الصف الثاني عشر ( مدرسة خان يونس ث أ بنات)
أمسكتُ القلم بيد مرتجفة لكتابة بعض دروسي، سرعان ما انزلق القلم من بين أناملي المرتجفة. فمِلت برأسي، وأطلقت العِنان لمخيلتي، فإذا بها الصورةُ التي تراودني دائما وأبدا، صورة الشهيد شاكر حسّونة بين قبضات جنود الاحتلال الغاشم، الذين أخذوا يجرون جثتَه عَبْرَ الممرات المرصوفة، وكانت دماؤه الطاهرة ترسم خطاً متعرّجاً على ذرّاتِ ثرى الوطن لتروي ظمأه. وتملكني الغضب والحقد، عندما تذكرت صورةَ الجندي الوغد، الذي كان يمسك بيده هاتفَه النقّال وهو يضحك ساخرا، وبيده الأخرى يقبض على طرف قميص الشهيد الذي تتلاقفه أيدي الجنود الثلاثة الآخرين.
جعلت أتساءل حائرة: لم هذه الوحشية المطلقة؟! ألم يكفهم أنهم قتلوه ؟!
وبينما أنا غارقة في ذلك الكابوس، أفقت على يد تجذبني بقوة، فالتفت فإذا بها أختي تحثُّني على مواصلة الدراسة، فأومأت برأسي استجابةً لها، دون أن أنطق بكلمة.
ثم وضعت يديّ على عينيّ وجعلت أضغط عليهما بقوة وكأنني أحاول عابثة انتزاعَ تلك المأساة الراسخة في ذاكرتي. ولكن هيهات، هيهات أن تنسى، فالذاكرة مفعَمة بكثير من المآسي الموجعة. رفعتُ يدي عن عينيّ لأرى ألوان الغضب الحمراء والسوداء أمامي، وبعد تلاشيها، شاهدت أختي الصغيرة وهى تُدير عابثةً قنواتِ التلفاز، لأرى صوراً لمآسٍ جديدة، فأغلقت كتبي، واعتدلت لأضيفَ إلى ذاكرتي صوراً أخرى من المآسي والأحزان ، إضافة إلى مأساة محمد الدرّة، وعصام جودة، والشهيد شاكر حسونه و …………….
شعرنا بأن الليل لن ينتهي
دلال منصور الجمل
الصف التاسع الأساسي ( مدرسة حليمة السعدية العليا للبنات)
لن أنسى تلك الليلة المرعبة. فحين كنت احضر دروسي للغد، إذا بي اسمع فجأة صراخا قويا اختلط بأصوات القذائف. أطللت برأسي من النافذة، فإذا الشوارع تغص بصراخ الأطفال والنساء والشيوخ والرجال، وبصيحات الهلع التي اخترقت دماغي. راحت أمي تبحث عنا في حجرات المنزل، وأخذت توقظ اخوتي الصغار وهي تنادي عليهم بصوت مبحوح يخنقه الغضب والرعب. طلبت منا أن نخرج جميعاً من البيت وقالت: ( تعالوا نموت معاً). نزلنا إلى البستان أمام البيت، وجلسنا على الأرض.
راح أخي الصغير عبد الرحمن وأختي سوسن يبكيان والدموع تنحدر على وجناتهما بغزارة، شعرنا بأن الليل لن ينتهي. رحنا جميعاً ننظر إلى الطائرات المحلقة فوق منزلنا، والى الصواريخ التي تتساقط منها على المباني المجاورة، وعلى مقرات الشرطة. أحسسنا بأنها تسقط على رؤوسنا وتحرقنا.
ازداد رعبنا. فأبي كان لا يزال في الجامع يؤدّي صلاةَ العشاء والتراويح. ولما رجع إلينا كان وجهه مصفرّا من شدة الهلع، لكنه حين وجَدَنا في البستان اطمأنّ قلبُه وراح يهدّئنا قائلا: لا تخافوا فلن يصيبنا إلا ما قدّر الله لنا. واثناء ذلك، نزلت امرأة عمي وابنها الوحيد، وكذلك امرأة خالي بكر وامرأة خالي حسين، وكن يحملن أطفالهن على أذرعهن وهم نائمون، وحين استيقظ الأطفال على صراخ الناس، أخذوا يبكون بفزع شديد.
لقد كانت تلك الليلة العصيبة، مملوءة بالأحداث المخيفة والمثيرة، التي لا يمكن أن أنساها طيلة حياتي.
الامتحانات والقصف العنيف
سامر صبحي القادري
الصف العاشر ( مدرسة هشام بن عبد الملك)
بينما كنا نتناول طعام العشاء، إذا بصوت عال قادم من خارج البيت، فبدأ الأطفال بالبكاء، وتكرر ذلك الصوت حتى أصبح متتاليا غزيراً كحبات المطر. ذهبت أمي إلى اخوتي تطمئنهم وتضمهم إلى صدرها. ومن ثم خرج والدي ولم ندر إلى أين ذهب، فبقينا قلقين عليه. وفي الوقت نفسه خائفين من الخروج للبحث عنه.
وعندما وصل والدي الشارع وجد الجيران مجتمعين. فوقف عندهم وألقى التحية وهو متردّد، فلم يسمعوا ما قاله من شدّة خوفهم. سألهم بصوتٍ خافت: " أتسمعون ما أسمع"؟ فأجاب الجميع بصوت واحد: نعم نسمع صوت الصواريخ والرصاص، ثم شاهدوا وميضاً مرّ من فوقهم، فذهب كلُّ واحد إلى منزله ليطمئنّ على أبنائه.
أصيب مخيم عقبة جبر بخسائر كثيرة، وأُصيب جدار منزلنا بالرصاص، كما أصيب خزّان الماء. لم نستطع النوم من شدة الخوف. ولم نستطع الاستعداد لامتحانات نهاية الفصل الدراسي الأول التي ستصادف يوم غدٍ، لسوء الحظ. إذ أننا لم ندرس شيئا.ً ذهبنا إلى المدرسة ونحن لا نعلم بماذا سوف نمتحن. فقد قام جنود الاحتلال في نفس الليلة بإطلاق النار على محّول الكهرباء الرئيس الذي يغذّي المخيم، مما أدى إلى قطع التيار الكهربائي لمدة أسبوع.
حكاية شهيد
روان محمد
الصف الثالث الأساسي ( مدرسة ذكور دير سامت الأساسية )
سأحدثكم عن قصة من قصص الانتفاضة التي سقط ضحيتها الكثير الكثير من أبناء شعبنا. استشهد البطل الشهيد محمد محمود الحروب ابن قرية دير سامت، وهو يدافع عن وطنه، ويقاتل الصهاينة وجها لوجه في منطقة الخضر ببيت لحم بتاريخ (1-11-2000)م. وكان مصير هذا الشاب البطل أن استقبل رصاص العدو الحاقد بصدره دون تخاذل أو خنوع. فضّل أن يقتل في سبيل الله، وزهد في حياته، تاركاً وراءه أربعة أبناء ما زالوا صغاراً، وزوجة وأم أرملة، وأخوة أيتام في أشد الحاجة إليه، حيث أنه أكبر اخوته سنا. وكان يتولى مسؤولية هذه الأسرة الحزينة بعد وفاة والده اثر مرض، في سن مبكرة. فكان الشهيد محمد نبراسا وعلما من أعلام وأبطال هذه الانتفاضة العظيمة. انتفاضة الأقصى، مثل غيره الكثير من الأبطال الذين لا يقلّون عنه في التضحية والنضال، هذه قصة صغيرة تتكرر في كل بيت وفي كل مكان من وطننا الحبيب وأرضنا الغالية.
طفلة أنا
هديل الحروب
الصف الرابع الأساسي ( مدرسة ذكور دير سامت الأساسية )
طفلة أنا. تحكي قصة مريرة. قصة الطفولة التي عانيناها وما زالت تعيش بداخلنا أطفالا وشبانا وشيوخا، قصة الطفل البطل الشهيد ( محمد الدرة) الذي شاء له القدر أن يدوّن في سجل هذا التاريخ العريق، تاريخ التضحية والفداء. طفل برئ لا ذنب له سوى أنه صحب أباه جمال الدرّة، أثناء سيره في أحد شوارع غزة. وكان مصير هذا الطفل أن تلقى رصاص الغدر واللؤم من غير سبب. يا لهذا الوالد المسكين، الذي صرخ في وجوه بني صهيون: هذا طفل لا تطلقوا النار، محاولا أن يحمي فلذة كبده وقد وضعه تحت إبطه، كما يرفرف الحمام على صغاره، ولكن كيف لعدو حاقد، أن يعي ذلك.؟! فقد استمروا في إطلاق رصاصهم إلى أن فاضت روح هذا الطفل إلى بارئها، تشتكي ظلم اليهود المجرمين.
هذه إحدى قصص الطفولة التي تجرعنا مرها منذ نعومة أظفارنا.
نام الجندي ويده على الزناد
إسراء الشيش
الصف الثامن الأساسي ( مدرسة بنات أريحا الأساسية العليا)
لن أنسى ذلك اليوم أبدا ما حييت. فهو يوم حزن منذ الصباح. إذ مرض أخي الصغير فصحَبتْه أمي إلى عيادة الطبيب. وقد عادت متأخرة إلى البيت. فبدا عليها التوتر الشديد، إذ لم يبق على آذان المغرب سوى ثلاث ساعات، وعليها إعدادُ طعام الإفطار. انهمكنا جميعا في مساعدة أمي في إعداد الطعام. كانت ساعات صعبة حقا. ولكنّ الفرصة كانت عظيمة إذ أنجزنا عملنا قبل الوقت، وجلسنا جميعا حول المائدة ننتظر المؤذّن ليرفعَ الأذان. كنت واقفة بالقرب من الشباك لسماع الأذان فسمعت دوي طلقات. ازدادت كثافة النيران. ويا لهول ما رأيت! رصاصات تخترق غرفة الضيوف. أصابنا الذعر إذ سمعنا أصوات قذائف… قال أبي إنها مدفعية. فقام وجمعنا في غرفة نومه لأنها الأكثر أمنا. استمر إطلاق النار أكثر من ساعة دون توقف. حاول أخي الكبير التخفيف عنا بنكاته المرحة فيقول تارة " لصقت يد الجندي على الزناد " ومرة " نام الجندي ويدُه على الزناد ". توقف بعدها إطلاقُ النار وسمعتُ همس أمي تتمتم بآيات من القرآن الكريم.
وحضرت للاطمئنان علينا جارتنا " أم حسن " وقالت: يقولون إنهم قصفوا مركز الشرطة والمخابرات في المخيم، ويقولون إن هناك حشودات كبيرة على مدخل أريحا. لم أنم تلك الليلة من شدة الخوف إذ أصابني إحساس بان اليهود سيحاولون اقتحام أريحا … ولكنهم لم يفعلوا.
أخذ هذا المشهد يتكرر يومياً حتى اعتدنا عليه كما اعتدنا على همس أمي تردد قوله تعالى " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ".
قصة الشهيد محمد
أياد عبد الرحيم جلاد
الصف الثامن الأساسي ( مدرسة احسان سمارة الثانوية )
انطلق صوت الأذان لصلاة العصر، عَبْر مكبّرات الصوت. وكانت أم محمد جالسة مع جاراتها في ساحة صغيرة أمام البيت يَقطُفن الزعتر، ويتبادلن الحديث عن شهداء الأقصى، ومحمد الدرة، وعن المعاقين، وعن الحصار، وعن القصف، وعن منع أزواجهن وأولادهن من التوجه إلى العمل، وعن اشتياق فلانة إلى زيارة أختها، وعلانة عن حنينها لأمها التي لا يفصل بينهما سوى أميال قليلة، وعن هموم الدنيا، وتذكرهن لتلك الأوقات قبل أشهر حيث كنّ يتوجهن إلى قاعات الأفراح والأعراس، وعن السعادة والارتياح التي شعرن بها في ظل سلطتنا الحبيبة.
كن يسمعن صوتَ أقدام الرجال وهم يتوجّهون إلى المسجد، والأولاد فرحون يتراكضون خلف الكرة، فخرجت أمَّ محمد تسألُ عن أولادها وتقول: أين ذهب محمد؟ ….. تردّد الأطفال وهم ينظرون حولهم ويبحثون عن محمد، فقال لها أحد أصدقائه: لقد ذهب مع الشباب إلى الحاجز حيث تدور هناك اشتباكات بين قوات الجيش التي تُطلق رصاص الخمسمائة والثمانمائة والغاز المسيل للدموع، وشبابنا الذين يتصدون لهم بالحجارة.
قالت إحدى الجارات: "الله يحماهم ويستر الأحوال". فجأة ارتفعت أصوات صافرات الإسعاف مسرعة إلى المستشفى، وكان صوتها وكأنه ينعي أحداً…. وتطايرت حمامات بيضاء ترفرف فوق المسجد….. سكت الأطفال …. توقفت أيدي الجارات عن قطف الزعتر…. فجأة أحست أم محمد أنّ قلبها قد توقف عندما رنّ جرس الهاتف، وقيل لها: إن محمداً قد أصيب، وهو في المستشفى القريب.
حلّ الحزن على البيت، وأخذت أم محمد تقفز ولا تدري ماذا تفعل أو ماذا تقول ….. الجارات يحاولن تهدئتها ولكن دون جدوى…
وصلت أم محمد المستشفى، وصعدت الدرج مسرعة لرؤية ولدها الجريح، كما قيل لها … احتضنته وبدأت تقبله … "سلامتك يا حبيبي … أين أصابتْك الرصاصة؟ … ماذا جرى؟ … كانت تبكي وتتكلم، وتتحسس جسمه في آن واحد… ولكن محمد لم يرد".
لم يتكلم …. لم يتحرك…. جسده بارد … ابتسامته تزين وجهه … صرخت … صاحت … ولدي … ولدي … ولدي
احتضنها رفاقُه وهم يقولون لها نحن أبناؤك يا أمّ محمد .. محمد لم يمت… محمد حي.. لحظات حزينة ، تجمّع الرجال بالآلاف يهتفون" بالروح بالدم نفديك يا محمد".. وتجمعت النساء يزغردن، ويشجعنَ أم محمد على الصبر.
قالت لها إحدى الجارات: سلمت يا قلبَ أم محمد، يا صانع الرجال.. سلمت يا سواعد أم محمد، يا صانعة التاريخ.. أنت رمز فلسطين للعطاء والتضحية، رغم كل ما عانيناه من قصف، وقتل، واعتقال، وتشريد، ورغم ما عانيته بفقدانك لأبنك، إلا أنك تقفين صامدة مزغردة في عرس حبيبك محمد.
بعد الدمار …!
محمد عثمان ذياب
الصف التاسع الأساسي ( مدرسة ذ. تياسير الأساسية )
بعد عشرة أيام من الحصار، حاولت القوات الإسرائيلية اقتحام البلدة، وقامت بنشر الدبابات على الطريق المؤدّية إليها، واستعدّت للمهاجمة. وما هي إلا لحظات إذا بصوت انفجار عنيف قد دمر مركز الشرطة القريب من منزلنا. امتلأت نفوس الأطفال بالرهبة، وأخذوا يصرخون فزعا من شدة الصوت والضوء القوي الصادر عنه، كان أخي الصغير نائما فهبّ فّزِعا وهو يصرخ أمي .. أمي.. سأموت. أخذت أنا وأمي بجمع اخوتي وإيقاظهم لنهرب من المنزل، فهربنا إلى منزل عمي أحمد، وفي غضون ذلك أتى أبي إلى المنزل للبحث عنا فلم يجدنا، ووجد البيت قد دُمّر.
خاف وامتلأ قلبه بالرعب علينا، وأخذ يزيح ركام البيت، فلم يجد شيئا، فأخذ يجري كالمجنون وأخبر خالي بذلك.
آتى خالي يبحث عنا في بيت عمي أحمد، وذهب أبي إلى عمي سعيد، وكان كل منزل منهما بعيدا شيئا ما عن الأخر.
ذهب خالي ليخبر أبي بأننا في بيت عمي أحمد ليطمئنه علينا. وجده ملقى في الشارع وقد أصيب بصدمة. فحمله إلى منزل عمي سعيد. وحين رآنا اطمأنّ قلبه . استمر القصف وحين لاح الفجر هدأت الأحوال، فإذا بخبر يقول إن أربعة أشخاص قد استُشهِدوا جرّاء ذلك، كما دُمرت الكثير من المنازل، وحين ذهبنا إلى منزلنا وجدناه كومة من الركام.
لقد كانت ليلة مفزعة ولن تنسى أبداً.
طريق الشهداء الأبطال
رهام جاسر
الصف العاشر ( مدرسة ذ. مسحة الثانوية )
مجاهد شاب في الثامنة عشرة من عمره، وهو طالب في مدرسة الأمجاد، يعيش في قرية غنيّة بالبساتين، أهلُها يُحبّون العلم. فمجاهد من الأوائل في مدرسته، ويدرس المواد العلمية، وهو الآن في الثانوية العامة. ولمجاهد أربعةُ أخوة ذكور وأختان، وهو أكبرهم واسم أبيه صابر وأمه فلسطين.
وقرية مجاهد كغيرها من القرى في فلسطين في هذه الانتفاضة المجيدة، تتعرض لاعتداءات من قبل الصهاينة الغادرين. لكن أهل القرية يصدون عدوان الصهاينة بأرواحهم، وبكل ما يملكون، ومجاهد واحد من أهل هذه القرية الصامدة.
وفي ليلة من الليالي، هجم الصهاينة من قطعان المستوطنين وجبناء اليهود المسلحين بالنار على قرية (العز) فخرج أهل القرية ليتصدوا لهم بكل ما يملكون، ومن بين الذين خرجوا البطل مجاهد وأبوه.
دارت مواجهات دامية، حيث كان الشباب يضحون بأرواحهم، ليدافعوا عن كرامتهم وليصدوا عدوان اليهود. صمد الشباب طويلا في وجه العدو المسلح بأحدث الأسلحة، بينما كان سلاح الشباب الحجارة والزجاجات الفارغة، والحارقة أحياناً.
كان هدفهم الدفاع عن أعراضهم، وعن الأرض المقدسة وعن كَرْم الزيتون، وعن الأطفال الرضّع. كان موقع الشباب بين أشجار الزيتون، بينما كان العدو متمركزاً وراء الجدران الأسمنتية التي وضعوها ليحموا أنفسَهم من الحجارة والزجاجات.
استمرّت المواجهات ساعات وساعات، ثم توقفت. وعاد المستوطنون الجبناء من حيث أتوا، وانطلق الجميع ليبحثوا عن الجرحى لإسعافهم. ولكن ماذا نرى هناك تحت تلك الأشجار في بستان أبي مجاهد؟ انه شاب قضى ليلته يزحف تحت أشجار الزيتون، يبحث عمن يُسعفُه ويساعدُه، ليحيا ويحارب عدوّه بحجر بلاده، لكنّ صوت الرصاص دوّى في المكان ليسرق الحياة من هذا الشاب. ولكن من هذا الشاب؟ إنه مجاهد بن صابر. لقد رأته النجوم وشهد موته القمر، ولقد كفّنه الليل بكفن اسود، وتألقت عيون النجوم فَرِحة لاستقبال روحه الطاهرة، التي فاضت لبارئها عند تكبيرة المؤذّن لصلاة الفجر.
خرج شهيدنا من منزله بعد ما قبّل يد أمه فلسطين، وطلب منها أن تدعو له بالتوفيق. خرج وعنده إصرار الأبطال وإقدام الشجعان. سار مع الشباب الآخرين بخطوات ثابتة، نحو هدفهم. خرج من بيته ليدافع عن كرامة أهله، وعن شجر الزيتون الذي لعب تحته في صباه في مواسم القطف والزرع والحصاد. ذهب ليرد عدوان الصهاينة بكل الإمكانات المتاحة له حتى يعيش إخوته الصغار حياة شريفة وكريمة، وحتى تقر عين أمه وتنام ليلا مطمئنة على صغارها، واثقة بأن زوجها سوف يعود للبيت بعد خروجه للأرض.
لقد تذكّر مجاهد كلَّ شيء في حياته خلال لحظات، وأمسك شهيدُتا البطل التراب والحصى بيده الملطّخة بالدم الذي ينزف من صدره وكتفه وقدمه، وقبّل ما حملته يداه، وسالت دمعة طاهرة من عين مجاهد لأنه لم يرَ الأقصى محرراً، فليس هناك هدف أسمى من هدف الشهيد، فقد قصد وجه ربه، وها هو يلقاه. وتكسر حلم الفتى الشاب في أن يصبح طبيباً يعالج الفقراء، ويعلّم إخوته الصغار، ويحقق حلم أبويه أحب الناس إليه. لقد امتزج دم مجاهد بالندى على قميصه الأبيض وفارق الحياة ووافته المنية وطارت العصافير التي كانت تقف على غصن شجرة الزيتون، كأنها كانت تنتظر من مجاهد أن يقف على قدميه ليتحدى العدو من جديد، ولكن هيهات، فقد حان الأجل. وفي هذه الأثناء جزع قلب الأم على ولدها. فقد عاد أبوه وهو لم يعد حيث أحست بابنها رغم بعد المسافة بينهما.
وجده أحد أصدقائه الذين خرجوا معه، إلا انه لم يتمالك نفسه، فخر على الأرض جالسا بجوار جثة صديقه العزيز. أمسك يديه وقبلهما وذرف الدمع على جبين مجاهد، حتى أنه من هول الفاجعة لم يستطع الكلام، فوصل باقي زملائه وما أن رأوا جثة مجاهد حتى صعقوا كأنهم يفارقون أرواحهم، لا صديقهم فحسب.
احتار الأصدقاء كيف سيحملون الخبر لأمه، فكروا مليا إلى أن قرروا حمله على أكفّهم إلى مسقط رأسهُ البيت الذي ولد فيه وشهد لحظات عمره الفاني. لقد كانت أمه تنتظر على الباب كأنها على موعد مع جثمان ابنها، حيث استقبلته بالزغاريد التي يخالطها الدمع والبحه الممزوجة بالحزن العميق.
سمع أهل البلدة النبأ فجاءوا ليودّعوا ابنهم مجاهد. ودّعه إخوته الصغار بالدموع والدعاء والخوف أما والده الذي بقي صامتا ليخفي حزنه فقد سالت رغماً عنه دموعه لتعبر عن مخزون من الحزن الدفين في قلب الأب صابر الذي كانت ملامح وجهه توحي بالألم الشديد. فماذا نتوقع من أب رأى ابنه محمولا على الأكف؟!.
قال صابر أبو مجاهد والأسى والحزن يملآن قلبه. كنت أود أن أرى ابني على ظهر الحصان ليزف، لا على الأكف ليشيع جثمانه إلى القبر. وماذا كان رد أم مجاهد فلسطين؟ لقد ذهب ابني الأكبر وبقي عندي أربعة غيره، واحمد الله الذي شرفني باستشهاده. نعم لقد استشهد ليضمن لاخوته أمنهم ومستقبلهم يا بنيّ يا فلذة كبدي. أنت لم تمت… إنما أنت حي في قلبي وعقلي.. لقد تحطّم حلمك الجميل، لكن لا بأس، ففي سبيل حبنا لأرضنا وديننا يهون كل شيء.
حمله أهل بلده وأصدقاؤه إلى المقبرة كان وجهه باسما كالبدر عليه مسحة من البراءة، وكانت عيون أمه تذرف الدمع بغزارة كأنها ينبوع ماء، لكنه مالح مر لا يتجرعه إلا المفجوع بابنه. كان موكبا جنائزيا لا يُنسى. شارك فيه كلُّ أهل القرية الذين طالما أحبوا مجاهدا واحترموه.
بعد تشييع الجثمان، وقف الأصدقاء يودعون صديقهم مجاهداً قال مؤمن: سأسير على دربك حتى أدفن إلى جوارك يا صديقي العزيز. وقال عبد الله : سوف آخذ حقوقنا من عيونهم حتى لو كلفني هذا حياتي، سوف نعيد لديننا مكانته ولقدسنا حريتها التي سلبت منها. أما مجد فقال: بما أن الموت حق على كل إنسان، فلنمت بكرامتنا خير من أن نعيش أذلاء.
شمس الحرية
رنا بسام ماضي
الصف العاشر ( مدرسة بنات سلفيت الثانوية )
كانت ليلة باردة من ليالي شهر تشرين الثاني، حيث ينام الجميع باكراً…..
كنت جالسة في سريري أطالع الكتاب الذي كنت قد بدأت بقراءته، كانت الساعة تقارب الثانية عشرة ليلا، كانت أمي واخوتي جميعا يغطّون في سبات عميق، بينما أبي كان لا يزال مستيقظاً. فهو بحكم عمله كطبيب، لم يكن ينام إلا قليلا، ليكون على أُهْبة الاستعداد طوال الوقت تحسبّاً لأي طارئ- وبينما أنا مستغرقة في قراءة الكتاب، إذا بي أسمع صوت طائرة صغيرة من نوع " هيلوكبتر". لم تكن المرة الأولى التي أسمع فيها صوت ذلك النوع من الطائرات، لكن وكما يقولون ( قلب المؤمن دليله) شعرت أن هذه المرة ستكون مختلفة.
قفزتُ من السرير. ونظرت عَبْر النافذة إلى السماء الحالكة الظلام والتي غاب عنها القمر، فلم أر أثرا لتلك الطائرة، انقبض قلبي، فعندما تكون الطائرة غير مضاءة فإن ذلك يعني بأنها ستقوم بقصف المدينة. لكن … لماذا؟ … و سلفيت خصوصاً، لم تشهد الكثير من المواجهات؟ … فما الداعي لقصفها؟ … ولكن هيهات … شاهدتُ شيئا مضيئا ينزل من الطائرة، واتجه نحو المدينة. ..
يا إلهي .. ماما أوه …. يا إلهي ….. ماما … سعيد …. أحمد …. سعيد …. رائد … انهضوا … انهضوا " بدأت بالصراخ كالمجنونة " انهضوا… لقد بدءوا بقصفنا.. انهضوا" هكذا صرخت وأنا أوقظ أمي واخوتي، لن أنسى تلك اللحظات ما حييت، تلك اللحظات التي شعرت فيها بالخوف… الخوف الحقيقي ….. نعم الخوف .. و دوى صوت الانفجار الأول … نزلنا بسرعة من غرفة النوم واتجهنا إلى الطابق السفلي من المنزل، فيما انطلق أبي إلى مركز الطوارئ في المدينة تحسبا لأي إصابات قد تحدث…
ودوّى صوت الانفجار الثاني .. والثالث.. ثم … ثم ساد الصمت والسكون والهدوء … ولكن ليس كل هدوء يحمل معاني السلامة … وهذه المرة لم يعن ذلك أبدا .. أبدا ..
انتهى القصف واختفت الطائرات، لم نعد نسمع لها صوتا، اتصلت بوالدي لأطمئنَّ عليه، فقال لي:
" رنا … اتصلي فيما بعد .. هناك حالة طارئة " واقفل السماعة … كان هذا كل ما قاله ، ثم..انتشر الخبر وشاع في المدينة كما تنتشر النيران في الهشيم. هناك شخص قد أصيب وهو في حالة خطرة. وأن الصاروخ الثاني قد أصاب منزل أحد المدنيين وهو " رزق أحمد حسن" .. أحد أصدقاء خالي الذي كان عندنا في المنزل، و الذي أصيب بصدمة كبيرة لدى سماعه الخبر. فالرجل قد فقد رجله بالكامل، أصبنا في البداية بالصدمة.. ثم خيم الصمت والسكون والحزن على المنزل… السكون التام.. أتدرون وقعت المصيبة على قوم لم يكونوا يتوقعون حدوثها؟ و يالها من مصيبة !!!
قد يتساءل بعضهم ويقول " ولم الحزن يا رنا ؟ فهو ليس من أهلك " ولكنني أرد وأقول " إننا نسكن مدينة صغيرة كالأسرة الواحدة المتماسكة، فالكل يعرفون بعضهم بعضاً، وإذا ما كانت هناك بعض الخلافات البسيطة بين جماعة وجماعة ، إلا أنها سرعان ما تزول عند حدوث الشدة فنصبح كالأسرة الواحدة… أفلا تتألمون لجرح أحد أفراد أسرتكم، فكيف به إذ يفقد رجلا كاملة ؟؟!"
عاد أبي إلى المنزل في تمام الساعة الثانية والنصف صباحاً، سألناه عن حال الرجل، فقال:"إن حالته خطيرة جداً، كانت حالته من أبشع المناظر التي شاهدتُها في حياتي " هكذا أنهى كلامه.
وعندما اقتربت الساعة من الرابعة أو الرابعة والنصف توجه الجميع إلى غرفهم أما أنا فبقيت مستيقظة، لم استطع النوم نهائيا، ووقفت على النافذة الموجودة في غرفتي والتي تطل على الجهة الشرقية لمدة طويلة، إلى أن بدأت الشمس بالشروق … وياله من منظر !! الشمس وهي تشرق.
عادة ما تعطي الشمس أثناء شروقها انطباعا بالتفاؤل، وبداية يوم جديد قد تسير فيه الأمور نحو الأفضل. هكذا قرأت في القصص والكتب والروايات، ولكنّ شروقها في ذلك الوقت لم يعن لي شيئا سوى بَدء نهار جديد من الألم والعذاب و القتل والتدمير والتخريب، يوم أعود فيه للخوف من جديد. يوم أخشى وأخاف فيه من خروج والدي وأشقائي من المنزل. فمن يدري فقد لا يعودون إليه إذا ما سقط أحد الصواريخ واخترق منزلنا.
في الصباح … لبست ثيابي المدرسية، وتوجّهت للمدرسة، وفي طريقي شاهدت المنزل المقصوف، ويا إلهي !! ياله من منظر !! نوافذ مكسرة .. جدران محترقة … أبواب محطمة … وما إلى ذلك من المناظر..
تابعت طريقي إلى المدرسة وكان كل ما سمعتُه من حديث يدور عن ليلة البارحة والمنزل المتهدّم والرجل المصاب. جاءت الحصّة الثالثة … وحصة اللغة العربية، إلا أن معلمة اللغة العربية لم تأتِ إلى المدرسة، وعندما استفسرنا، قالوا بأن الرجل المصاب هو شقيق زوجها .. فأصبنا بالصدمة…
بعد يومين عادت معلمتي السيدة " ماهية ناصف " إلى المدرسة، كانت شاحبة اللون، فاقدة التركيز على كل ما يدور حولها من أمور وعندما سألناها عما حدث، قالت:
كنا نهيئ أنفسنا للنوم عندما سمعنا صوت الطائرة، لم نبال بها كثيراً، إذ أنها ليست المرة الأولى التي نسمع فيها صوت طائرة في سلفيت … ولكن بدا القصف وكان الصاروخ الأول قد أصاب مكتب " حركة التحرير الوطني " الموجود في سلفيت. أما الثاني فأصاب منزل شقيق زوجي. سمعنا زوجته تصرخ وتصرخ. فهرعنا إلى منزله الذي لا يبعد عن منزلنا سوى مسافة ممر يفصل بين الشقتين. دخلنا المنزل بصعوبة كبيرة، إذ أن الباب قد أصيب بكثير من الالتواءات صعب معها فتحه. ولكن في النهاية دخلنا. وقفت مع زوجة رزق، واحتضنت أولاده الذين أصابهم الفزع، وهرع زوجي إلى داخل غرفة شقيقه ليتفحصه… ولحقت أنا به بعد وهلة …. بدأ زوجي يتحسس السرير الذي من المفترض أن يكون رزق ممددا عليه، لكننا لم نعثر على رزق، بل عثرنا على بقايا رجله عالقة بالسرير، أما رزق فكان ملقى على الأرض … "
وتقول معلمتي:" أصبنا جميعا بالصدمة .. لم نستطع البكاء، أو الكلام أو حتى الصراخ … فقط صمتنا" ، وسألنا معلمتي عن حال زوجة الرجل وأمه، فقالت :" زوجته لا تقدر على شئ سوى البكاء، ولقد تعرضت للإجهاض نتيجة لذلك، أما أمه فصابرة"
نعم .. إنها أم صابرة وقوية، جبارة .. لقد فقدت أحد أولادها، كان يدرس في الهند عندما قتل، وهاهي تشهد ما قد حل بابنها الثاني وهي صابرة، ولا تقول سوى " المؤمنون أشد بلاء" إنها تستحق لقب " خنساء سلفيت" بكل ما للكلمه من معنى …!!
هكذا بدأت مأساة أسرة فلسطينية.
بعد أشهر قليلة شاهدت رزق بأم عيني، بعد عودته من المشفى. لقد كان يمشي مستعيناً بعكازين، كان مع شقيقه و بعض أصدقائه، شاهدته يتكلم و يبتسم بشكل طبيعي… لم أكن أتوقع ذلك!! فرغم أنه كان يمشي على عكازين إلا أنه كان يبتسم ….. فيا له من رجل صابر ، و ياله من شجاع… فالشجاعة في نظري هي التبسم وقت الشدائد، والتفاؤل رغم المحن، والأمل رغم الضياع…
أحلام و أسرتها
محمد تحسين عمر
الصف العاشر( مدرسة عمر بن الخطاب الثانوية للبنين )
أحلام طالبة نجيبة ومهذّبة، تدرس في الصف السابع. تلقى التكريم من معلماتها وزميلاتها. تحمل في قلبها أحلاماً ورديّة للمستقبل، وصوراً تفوح بعبقها لهذا المستقبل الكبير الذي ينتظرها.
استيقظت أحلام ذات يوم لتذهب إلى مدرستها ، فلما استعدّت للذهاب، طلبت من والدها المصروف. يا له من موقف محرج آنذاك! البنت تطلب المصروف والوالد لا يملكه، ولا يملك كلمات للإجابة على ابنته، وكأن لسانه قد تجمد في فمه. فهِمت أحلام الأمر وتقبّلته ببشاشة، وقالت لوالدها: يا أبت أظن أني كنت قد وفّرت مصروف البارحة، فلا حاجة لمصروف اليوم. وخرجت أحلام وليس معها مصروفها المعتاد ووالدها جالس في البيت محتار، لأن ابنته لم تأخذ مصروفا منذ أسبوعين، فكيف أخبرته بأنها حصلت عليه البارحة؟ دخل صوت خافت إلى صدر الوالد يقول: إن ابنتك تحاول التخفيف عنك.
وصلت أحلام إلى المدرسة. التقت زميلاتها اللواتي كن خائفات من عقاب المعلمة إنصاف التي طلبت علبة هندسة من أجل مادة الرياضيات. لكن أحلام التي رأت ذلك من زميلاتها، راود نفسها ارتياح عميق، فهي ليست وحدها من سينال العقاب، وربما ستسامحهن المعلمة لكثرة عددهن.
دخلت أحلام وزميلاتها الصف بعد الاصطفاف في الطابور الصباحي، وجلسن على مقاعدهن يترقّبن حضور المعلمة التي ما لبثت أن دخلت الصف، لكنها لم تسأل عن علبة الهندسة. ربما كانت تعرف الأوضاع.
عادت أحلام إلى منزلها بعد انتهاء يوم دراسي جائعة، فهي لم تأكل شيئا منذ الصباح. سألت أمها… ماذا أعددت لنا من الطعام يا أمي؟ أجابت الأم هنالك صحن باق من طعام البارحة، ستقتسمينه مع اخوتك ووالدك.. وأنت يا أمي ماذا ستأكلين؟ سألت أحلام. فأجابتها الأم: سأتدبر نفسي بكسرة خبز لا تهتموا يا ابنتي كلوا انتم فقط.
هذا هو حال أسرة أحلام منذ أن قعد والدها عن العمل. ليس في بيتهم كسرة خبز ولا كيس طحين، وحتى إن كان هناك كيس طحين فإن فرن الغاز لن يعمل بسبب انتهاء اسطوانته منذ ثلاثة أسابيع، وليس أمامهم إلا الحطب والنار لتسخين صحن طعام أعد قبل يومين أو حتى ثلاثة.
تضرعت أحلام إلى ربها داعية: يا ربي يا من ترى ماذا ترى فيما ترى؟.
بعد يومين عادت أحلام إلى منزلها وجدت بجانب الباب كيس طحين، فتهللّ وجهُها فرحا وسألت أمها عن مصدره فقالت: أحضره لنا شخص كريم معطاء. فقالت أحلام يا الهي! عندما كان أبي يعمل لم نكن بحاجة إلى أحد. كنا نحن نتصدق على الآخرين. أما الآن فلا نجد لا نحن ولا هم طعاماً ينقذنا من الجوع والموت. ولكن إن كان هذا الكيس سيكفيهم أسبوعا أو أسبوعين فماذا يفعلون بعد ذلك؟ هل ينتظرون كيسا آخر من رجال الخير، أم ينتظرون ألما يعتصر أمعاءهم، ليس لانتفاخها ولكن لتقلصها!!؟
قصة طفل فلسطيني
محمود فارس خندقجي
الصف الأول الثانوي( مدرسة عمر بن الخطاب الثانوية للبنين )
هاهو رامي الطفل الفلسطيني ابن العشرة أعوام، يخرج من منزله صباحاً ذاهباً إلى مدرسته، التي طالما أحبها اكثر من نفسه. ودّعته أمه التي أحسّت وكأنه اليوم الأخير لابنها بكل صبر وقناعة.
ذهب إلى المدرسة كعادته وقضى يومه الدراسي في المدرسة، ومن ثم غادر المدرسة إلى ساحة المواجهات على طرف البلدة التي طالما تخّيلها وكأنها ساحة جهاد كبيرة جداً.
كان ذلك اليوم من أيام رمضان المبارك، الطفل صائم والمعدة خاوية ورائحة الشواء تنبعث من كل أرجاء البلدة عند المغرب، إلا أن إيمانه وحبّه للوطن اكبر من أن ينظر أو يهتم بالدنيا وطعام الدنيا، ويترك وطنه أسيراً.
وظل الطفل رامي يقاوم إلى أن أصابته رصاصة غادرة، سقط من جرّائها على الأرض وخرج شلاّل الدم الدافق باتجاه الأرض العطشى، مثل عطش رامي يوم صيامه، ملوناً بلون الأفق العربي، وانتقلت الروح إلى بارئها مع تكبيرات أذان المغرب. وعندما نقل إلى المستشفى كان في يده حجر لا يزال يمسك به حتى بعد موته.
أثناء عودتي من المدرسة
محمد تحسين فضل عمر
الصف الثاني عشر ( مدرسة عمر بن الخطاب الثانوية للبنين )
فيما كنت في طريق العودة إلى المنزل يعد يوم دراسي مليء بالمخاوف والقلق، كما هو الحال في منطقتنا التي يتمركزُ فيها الجيش وتشكّل معبراً للمستوطنين حيث يكون مشوار الذهاب والإياب إلى المدرسة يعمل له ألف حساب. فلا يمكن الذهاب إلى المدرسة إلا بالسيارات والحافلات، هذا إذا توافرت، وإذا سمح لها بالمرور خوفاً مما يمكن أن تتعرض له أثناء سيرها.
أثناء عودتي في ذلك اليوم، كنت أنا ومجموعة من زملائي لا نتجاوز الاثنى عشر طالبا، وكلنا في الصف الثاني عشر " التوجيهي"، حيث اضطررنا للعودة إلى المنازل سيراً على الأقدام من باقة الشرقية مقر مدرستنا وحتى نزلة عيسى، مسقط رأسنا، نظراً لعدم مقدرة السيارة على المجيء لأخذنا لاعتبارات أمنية إسرائيلية مشددة.
وعندما قطعنا نصف المسافة تقريبا، فوجئنا بقوات إسرائيلية خاصة، ومعها مجموعة من المستوطنين يحيطون بنا من كل ناحية. وتنادينا بألفاظ بذيئة ساقطة. وقام بعض المستوطنين بالتعرض لنا بالضرب المبرح بالعصي ومواسير المياه على كلّ جزء من أجسامنا. ثم قامت القوات الخاصة بإبعادهم عنا وضربنا بدلا منهم، حتى جرح بعضنا وكسرت أطراف بعضنا الآخر. وحين كنا نسألهم ونحن نصرخ من الألم عن سبب ضربنا، قال أحدُهم إننا قمنا في صباح هذا اليوم بالتعرض للمستوطنين والقاء الحجارة عليهم. فقلنا لهم إن مجيئنا في هذا الصباح إلى المدرسة كان بالحافلة وأننا لم نأت مشياً على الأقدام إلا أنه قام بتكذيبنا، ثم اكمل المستوطنون ضربنا دون أي رحمة حتى أن أهل القرية لم يستطيعوا مساعدتنا، نظراً لكثرة عدد الجنود والمستوطنين المدججين بالسلاح.
وبعدها قاموا بأخذ ستة أفراد منا، وكنت أنا أحدهم، إلى الحاجز الإسرائيلي الواقع في نزلة عيسى. واستمرت بنا الحال إلى ما بعد صلاة العشاء، تارة يتركوننا وتارة يكملون ضربنا. وأخيراً تركونا وشأننا وكل ذلك والله بلا سبب.
عدنا إلى منازلنا يسند بعضنا بعضاً ، لعدم مقدرتنا على الوقوف على أقدامنا. ولم نستطع الدراسة ثلاثة أيام متتالية بعد تلك الحادثة، لشدة الألم والتعب.
وللأسف أُدخل أحد زملائنا إلى المستشفى في طولكرم نظراً لكسور بالغة في ساقه.
أحمد والخطر
محمد تحسين عمر
الصف الثاني عشر( مدرسة عمر بن الخطاب الثانوية للبنين )
أحمد طالب في الخامسة عشرة من عمره يدرس في مدرسته الواقعة على مرتفع شرقي القرية، يحدوه الأمل نحو مستقبل أفضل يحمل بين جنباته الخير والسعادة من أجل تحقيق أحلامه وطموحاته التي ترافقه، وما يفتأ يذكرها ويأمل بتحقيقها. وأحمد طالب متقدم بدراسته، متفوق في تحصيله العلمي. يلقى الاحترام والتقدير من أساتذته وزملائه في المدرسة. يخرج كل يوم كبقية طلاب مدرسته راجلا، يستعين بالحديث مع زملائه على قطع المسافة بين مدرسته ومركز القرية.
في شهر ديسمبر عام ألفين بدأ الشعب الفلسطيني انتفاضة مباركة ضد عدوّه وسجّانه وقاتله. وكان من الطبيعي أن تصل نسائم الانتفاضة إلى هذه القرية بوصفها قرية فلسطينية ترى وتسمع كل ما يحدث لأبناء شعبها وإخوانها. وما أن وصلت هذه النسائم حتى تصدت قوات الاحتلال لها فارضة حظر التجوال على القرية. لمدة فاقت الأسبوع. فتعطلت الدراسة في المدارس كما تعطلت بقية الأعمال اليومية التي يقوم بها أبناء القرية، وهاهو أحمد يجلس في منزله لا يستطيع الخروج منه يخترق روحَه خوف رهيب، ويتخاطر إلى سمعه صوت صافرات جيش الاحتلال وهو يجوب بمركباته شوارع القرية مراقبا تطبيق حظر التجوال وعاملا على إحكامه.
مضت الأيام الثلاثة الأولى وجاء يوم الجمعة، انه يوم الصلاة، يوم الذهاب إلى المساجد، وكما هو معلوم لا يستطيع أي مسلم التغيب عن صلاة الجمعة في أي يوم من الأيام، فيذهب أحمد متسللا بين أزقة القرية يملأه الخوف الشديد من مصادفة الجنود في طريقه. وفجأة وفي منتصف الطريق يفاجأ بسماع صوت مركبة للجنود الإسرائيليين، ماذا يفعل؟ لجأ إلى بيت من بيوت القرية محتميا به، حتى ذهبت هذه المركبة وابتعدت، فخرج مسرعا نحو المسجد، فوجئ عندما رأى الشارع الموصل إلى المسجد ممتلئا بالملبين لنداء مؤذن الصلاة الذين انتظروا بفارغ الصبر ابتعاد المركبة من أجل الذهاب إلى المسجد، وبعد أن دخلوا المسجد، وصلت دورية من الجنود وراقبت أداءهم للصلاة متمركزة على أبواب المسجد. أدوا الصلاة تحت أنظار الجنود ومراقبتهم وبعد الانتهاء من الصلاة بدأ المصلون بالخروج من المسجد من أجل رحلة العودة إلى المنزل، لكنها هذه المرة أمام أعين الجنود وليست خلسة من ورائهم. لكن الجنود لم يفوتوا هذه الفرصة فدخلت الرهبة والخوف في نفوس أبناء القرية، فبدأوا يأخذون أبناء القرية الذين كانت أعمارهم تقل عن الثامنة عشرة ويضعونهم في صف أمام المسجد ليدبوا الرعب والخوف في نفوسهم وليعملوا على إطلاقهم بعد فترة قصيرة، يا لها من فترة رهيبة تلك التي مرّت على أحمد حيث كان الخوف يملأ قلبه.
عاد أحمد إلى منزله وجلس مرة أخرى منتظرا موعد فك هذا الحصار وهذا الخطر ليعود إلى مدرسته مستأنفا الدراسة، ولكن هذه المرة تختلف عن السابق إذ سار من بيته إلى مدرسته كالعادة لكن الجديد كان اصطفاف الجنود على طول الطريق المؤديّة إلى المدرسة يراقبون حركة الطلاب ويحاصرونهم وكأنهم الأعداء الألدّاء لهم. وما زال أحمد يسير إلى مدرسته مع زملائه وجنود الاحتلال يراقبون خطّ سيرهم مصطفين على جانبي الطريق يحدّقون بالطلاب الذين يسيرون والخوف يملأ قلوبهم البريئة، يحاولون النظر إلى الجنود لكن الخوف كان يمنعهم من النظر فينظرون خلسة من شدة الخوف حتى يصلوا إلى بوابة مدرستهم ويحتموا بأسوارها المنيعة رغم محاصرة جنود الاحتلال لها.
أنها حاله عاشها وما زال أحمد يعيشها. حاله من الخوف والرهبة وعدم الاطمئنان على المستقبل الذي ينتظره وعلى الأحلام والطموحات التي يحلم بها.
طالب في مأزق
عاصم عبد الرحيم خروف
الصف الثاني عشر ( مدرسة عمر بن الخطاب الثانوية- طولكرم )
ليته كان لي أن أدرج في ذلك الطريق المؤدي إلى مدرستي بشيء من الاطمئنان!.
ليتني أستطيع أن أتذكر جميع الانفعالات والأحاسيس و الهواجس والأفكار التي كانت ترتسم في مخيلتي، ولربما تظهر آثارُها على رقعة وجهي وفي عينيّ الحالكتين!.
لقد كنت أمشي بخطواتٍ ثابتة محاولاً أن أُخفي ما بي من وحشة ودهشة وخوف من أولئك الصهاينة الذين كانت فوّهات بنادقهم مصوبةً على ذلك الطريق المؤدي إلى مدرستي.
ذلك الضباب الذي اكتنفني عندما رأيت الجنود داخل سيارتهم العسكرية مستترين بها من ذلك المطر الكثيف الذي أخذ يتزايد كلما اقتربتُ منهم. وقبل أن أصل إلى مكان تواجدهم على الرصيف الأيمن من الشارع، هممتُ بالانتقال إلى الرصيف الآخر لكي أتحاشاهم قدر الإمكان، حتى آخذ نصيبي من العلم في ذلك اليوم. ولكن قبل أن أقطع الشارع صرخ علي أحد الصهيانة من داخل سيارتهم العسكرية. لقد كان أشبه بصاعقة هزت كياني . قال "بو" فكرتُ للحظة في الفرار ، ولكنني سرعان ما تذكرت أنهم أناس بلا ضمير، فربما يُطلقون النار في أيّ لحظة ويقتلونني بدم بارد، فتوجهتُ نحوه . طلب مني أن أُغلق المظلةَ التي تحميني من ذلك المطر الكثيف، ترددتُ قليلاً ولم ألبث أن أغلقتها كي لا أُعرّض نفسي لأي اعتداء، ووقفت تحت المطر. نظر إليّ بعينين ملؤهما الحقد والكراهية و البغضاء ، وتتأصل فيهما كل ما تحمله كلمة الحقد من معان، وأخذ يرشف من فنجان الشاي الذي كان يضعه بين يديه، ثم توجه إلىّ بالحديث . لربما كان ما قاله " إن كنت أجيد التكلم بالعبرية " فقلت له لا ". ارتسمت على شفتيه ضحكة صفراويةstar:
الإثنين سبتمبر 20, 2021 3:48 pm من طرف هديل الحمام
» عدرا يا فلسطين????????
الإثنين يوليو 26, 2021 9:28 pm من طرف هديل الحمام
» كورونا - الشاعر : عطا سليمان رموني
الأربعاء يونيو 09, 2021 9:08 pm من طرف اسطورة المنتدى
» رحل ولن يعود
السبت فبراير 20, 2021 7:05 pm من طرف هديل الحمام
» كوفيتي عنواني
السبت فبراير 20, 2021 7:00 pm من طرف هديل الحمام
» كل يوم نصيحه ومعلومه
السبت فبراير 20, 2021 6:49 pm من طرف هديل الحمام
» اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا - الشاعر : عطا سليمان رموني
الثلاثاء فبراير 02, 2021 6:35 pm من طرف اسطورة المنتدى
» هنيال من عطا له أخ - الشاعر : عطا سليمان رموني
السبت يونيو 20, 2020 3:14 pm من طرف اسطورة المنتدى
» الأخذ بالأسباب - الشاعر : عطا سليمان رموني
الأحد مارس 15, 2020 10:50 am من طرف عطا سليمان رموني
» بعد غياب طويل عدت لكم من جديد هديل الحمام
الثلاثاء مارس 03, 2020 6:04 pm من طرف عازفة المشاعر
» رعاية ذوي الاعاقة - الشاعر : عطا سليمان رموني
الثلاثاء فبراير 18, 2020 11:44 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني
» صفقة القرن اللعينة - الشاعر : عطا سليمان رموني
الجمعة يناير 31, 2020 9:11 pm من طرف الشاعر عطا سليمان رموني
» شافي انت الشافي - الشاعر : عطا سليمان رموني
الإثنين ديسمبر 30, 2019 6:20 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني
» اصحب للجماعة - الشاعر عطا سليمان رموني
الأحد ديسمبر 15, 2019 7:17 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني
» يا ارضا عشقنا تربها الغالي
الخميس أكتوبر 10, 2019 8:25 am من طرف driss78